للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أنها علةٌ فاعلةٌ للمطلوب، وأنّ المطلوب علةٌ غائيَّةٌ لها. والاستدلال بالفعل على بعض صفاته أمرٌ واقعٌ كثيرًا.

يُبيِّنُ ذلك أن المناسبة مصدرُ ناسبَ الشيءُ الشيءَ (١) يُناسِبُه: إذا وافقَه ولاءَمَه، أو كان بينه وبينه ما يُوجِب نسبةَ أحدِهما إلى الآخر، كنسبة الولد إلى والدِه والحكمِ إلى الوصف. وهذه الخاصَّةُ التي تُوجِبُ انتسابَ أحدهما إلى الآخر لا بدَّ أن تكون ثابتةً لهما بأنفسهما، أو بما يجري مجرى أنفسهما، بحيث يَحسُن في العقلِ إذا أدرك الأمرين أن يقول: هذا منسوب إلى هذا ومضافٌ إليه. ومصدرُ المفاعَلة ليس قائمًا بأحد المتفاعلين دون الآخر، فإذَنْ المناسبةُ صفة إضافية بين الوصف والحكم، وبينه وبين الفعل، وبين الحكم والحكمة، وبين الفعل والحكمة. والمباشرة المذكورة هي الوصف المناسب أو محلُّ الوصف المناسب، فكيف يكون هو المناسبة؟

وهذا [ق ٧٠] كرجلٍ رأيناه يُعطِي فقيرًا، فإن مباشرة الإعطاء الصالح لحصول المطلوب من إغناءِ الفقير يَدُلُّ على أنّ مباشرة الإعطاء إنما كان للفقر، فالإعطاء يناسبُ الفقر، وليس هو مناسبة الفقر.

وتصحيح كلامهم أن يكونوا عَنَوا بالمناسبة نفسَ الشيء المناسب، تسميةَ الفاعلِ بالمصدر، كالعدل والصوم، وعُذْرهم عن إطلاق المباشرة والفعل أنهم أرادوا المخلوق. ثم إذا ثبتَ الحكم فيه فهم المعنى. ومنهم من قال: يُعنَى بالمباشرة إرادة الفعل وإثباته مطلقًا.

قوله: «والوجوب طريق صالح لحصول ذلك المطلوب» كلام صحيح.


(١) الأصل: «بالشيء».