أحدها: أن يقال: ما تَعنِيْ بصلاحيته للعلِّية؟ أتَعِني به أن يكون مناسبًا للحكم؟ أو تَعنِي إمكانَ ترتُّبِ الحكم عليه؟ وهو أن يكون بحالٍ لا يُعلَم أنه ليس بعلةٍ، أو تَعنِي به شيئًا آخر؟ كما تقدم تقريره.
فإن عنيتَ به المناسبة فليست شرطًا في المدارات، بل هي طريق آخر. ثم إذا لم يمكن تقريرُ علِّيّةِ المدار إلّا بعد إثبات المناسبة، فلا حاجةَ إلى الدوران، لأنّ المناسبة إذا تمَّت كَفَتْ.
وإن عنيتَ مطلق الإمكان فهذا موجودٌ في صورٍ لا تُحصَى، مع أن علّيّة المدارِ غيرُ حاصلةٍ، لاسيما على تفسيره الدوران واكتفائِه بالدوران وجودًا أو عدمًا.
وإن عَنَى به شيئًا ثالثًا فلا بدَّ من بيانِه.
الثاني: أن نقول: من رأيناه أعطى إنسانًا عالمًا فقيرًا قريبًا منه مرةً بعد مرة، فقد دار الإعطاء مع هذه المدارات الصالحة للعلّية، فإن أضفتَ الإعطاء إلى المجموع أو إلى أحدٍ بعينه قبل الدليل كنتَ مخطئًا، لأنك قد تسألُ الرجلَ المعطيَ، فيقول: إنما أعطيتُه لقرابتِه مني أو لفقرِه أو لعلمِه، ولم ألتفت إلى الوصف الآخر ولم أشعُرْ به.
وكذلك من تجسَّسَ أو سَبَّ السلطانَ وانتهكَ حُرمتَه مراتٍ متعددةً، وهو يُعاقِبُه، قد يجوز أن يقول: إنما عاقبتُه لكذا دونَ كذا، وهو كثير.
فقوله:«لو كان المدار فيما ذكرتم صالحًا لم نُسلِّم أنه لا يكون علةً» منعٌ للواقع المعلوم بالضرورِة.