أفعالِه، وبأفعالِه كَمُل، والله سبحانه فِعلُه عن كمالِه، وأفعالُه صدرت عن كمالِه، ولسنا نعني به أن أفعاله لا تتضمنُ مصلحةً للخلق ورحمةً وحكمةً، فإن هذا ــ مع أنه خلاف الكتاب والسنة والإجماع ــ خلافُ الواقع. ثم هو سبحانَه لا تعود المنفعةُ إليه، وإنما تعود إلى خلقِه، فإنه غني حميد. وإضافةُ الفعلِ إلى مشيئته وإضافةُ مشيئته إلى علمهِ كإضافة حكمِ الفعل إلى أمرِه، وأمرِه إلى علمه.
وهنا نكتةٌ لا بدَّ من معرفتها، فإن الفعل أو الحكم إذا كانت فيه مصلحة فتلك المصلحة إنما تُوجد بعد وجود ذلك الفعل والحكم، وهي المقصودة بذلك الفعل والحكم، فهي متقدمةٌ في العلم والإرادة، متأخرةٌ في (١) الحصول والوجود. كما يقال: أولُ الفكرِ آخر العمل، وأولُ البغية آخر الدرك، والفعل علةٌ فاعلةٌ لتلك المصلحة، وتلك المصلحة علةٌ غائيَّة لذلك الفعل. وفي الحقيقة فالعلةُ العلمُ بتلك المصلحة والإرادةُ لها أو الطالب كما تقدم، إذ العلةُ لا تتأخر عن المعلول.
إذا عُلِم هذا فمعنى المناسبة كونُ الحكم الشرعي بينه وبين السبب الذي رتّب عليه نسبٌ، حتى صار ذلك السبب مقتضيًا لذلك الحكم وموجبًا له، مثل الوالد، كما يُولِد الوالد ولده فيصير بينهما مناسبة. ولا بدّ لكل مناسبة من حكمةٍ تَحصُل من الحُكْم باعتبارها تُصيِّرُ الحكمَ ثابتًا، كالتقوى التي هي حكمة الصوم، وسَدِّ الفاقات التي هي من حكمة الزكاة، وحَقْن الدماء التي هي من حكمة القصاص، وحفظ الأنساب والعقول والأديان والأموال والأعراض التي هي حكمة الحدود. فيسمُّون المصلحة الحاصلة