للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناسِ علمًا بالحديث وأبعدهم عن ضبطه ومعرفته، ولعلّ أحدهم أو أكثرهم لا يعرفون مظانِّ طلب الأحاديث، ولا حملها ونقلها، ولا يميزون (١) بين أجناسها وأنواعها، وأدنى دليلٍ على ذلك ما في كتبهم من الأحاديث التي أجمع أهلُ الحديث على أنه ليس لها أصل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، تارةً يجعلون الفتوى حديثًا، وتارةً تكون الكلمة محفوظة عن بعض الفقهاء، أو بعض السلف، فيجعلونها مرفوعةً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتارة يخلطون بالحديث زيادات ليست منه (٢)، وذلك لأنهم لم يتلقوا الأحاديث ممن ضبطَها وأحكمها، وإنما غايةُ المبرِّز منهم أن يجده في بعض كتب الفقه، ولا يَعْرف من أين نقله ذلك المصنِّف. ومجرَّد ذلك لا يغلِّب على الظن صحةَ الحديث، بعدما عُرِفَ من تساهل هذا الضرب في الأحاديث وقلة اعتنائهم بها، لاسيما إذا لم يوجد له أصل في الدواوين المعنيَّة بهذا الشأن، وعند الرجال الذين هم فرسان هذا العلم، فيكون مَثَلُ ذلك مَثلَ دينار عُرِضَ على النجَّارين، فقالوا: هو صحيح، فلما رأتْه الجهابذة (٣) قالوا: هو مغشوش، والقولُ في ذلك قولُهم، لأن أهل كلِّ صنعة أعلم بصنعتهم.

وكذلك لو رأى بعض الحدَّادين خَرَزةً فقالوا: هي جوهرة، وقال الجوهريُّ: هي زجاجة، فالقولُ قولُ الجوهريُّ.

ويكفي دليلًا على ذلك أن هذا المصنِّف ذكر في كتابه هذا عدة أحاديث، عامتها ليست محفوظة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مع أنَّ في الباب الذي


(١) الأصل: «يهزون»!
(٢) انظر أمثلة لذلك في «التلخيص الحبير»: (١/ ٢٩٣ - ٢٩٤ و ٢/ ٢٠ و ٤/ ٦٤، ٩٤).
(٣) الأصل: «الجهبذة»!