للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يذكره عدةَ أحاديث صحاح مشهورة.

وإذا كان المحفوظ إنما هو قوله: «لا ضر ولا إضرار» = بطلَ الاستدلال الذي ذكره؛ لأنه إنما يتمّ بأن يُقال: «لا ضرر ولا إضرار في أحكام الإسلام»، ومعلومٌ أن مجرَّد قوله: «لا ضرر ولا إضرار» لا يدلُّ على هذا المحذوف، وحذفُ ما لا يدلُّ عليه سياق الكلام غير جائز.

بقي أن يُقال: اللفظ عام في نفي كلِّ ضرر، والإيجاب ضرر، فيكون منتفيًا. فنقول: سنأتي عليه.

الوجه الثاني: أنه إن كان قوله: «لا ضرر ولا إضرار في الإسلام» محفوظًا، فإن معناه يعود إلى معنى قوله: «لا ضرر ولا إضرار»، وذلك ينبني على مقدمة، وهو أن بعضَ الناس يقول: الصوابُ في هذا الحديث أن يقال: «لا ضرار، ولا إضرار» (١)، فالضرر اسم مصدر: ضرَّه يضرُّه ضررًا. والضرار مصدر: ضارَّه يُضارُّه ضرارًا ومضارَّة، فنفى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الضرر المنفرد من أحد الجانبين، والضرار المشترك من [ق ٢٨٠] الجانبين، وتقديره: لا يضرَّ أحدٌ أحدًا، ولا يُضارَّ أحدٌ؛ لكن في كتب الحديث: «لا ضرر ولا إضرار».

وهذا كما أنه المعروف في الرواية فهو أجود في الدراية، وذلك أنَّ ما يحصل لأحد الجارين من المضرة تارةً يكون بقصد الجارِ الآخر وفعله، وتارة لا يكون بفعله، فما كان بفعله فهو إضرار بالآخر، وما لم يكن بفعله فهو ضرر به، ففي نفي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أن يتضرَّر الإنسانُ أو أن يضر به غيره. وهذا لأن «الضرر» اسم المصدر، واسم المصدر لا يختص باللازم ولا بالمتعدِّي،


(١) كذا، ولعل الصواب: «لا ضرر، ولا ضِرار».