للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: لا نُسلِّم أن ما ذكرته يدلُّ على صحة ما ادعيتَه من المناسبة على الإطلاق، حتى يكون تركُه في بعض الصور تركًا للدليل، وهذا لأنك إنما رأيتَ الحكيم قد أوجبَ الزكاة في بعض الصور في بعض الأموال، وفي بعض الأنواع على بعض الوجوه، للمصالح المتعلقة بالوجوب. فينبغي لك أن تعتقد المناسبةَ للأمور التي لها تأثير في الإيجاب، وما جاز أن يكون مقتضيًا للوجوب وجاز أن لا يكون مقتضيًا لا يثبته إلا بدليل.

وهذا كرجلٍ غنيّ كثيرِ المال سألَه فقير قريب عالمٌ فأعطاه مئةَ درهم، فقد دلَّت المناسبة على أنه إنما أعطاه لما في الإعطاء على هذا الوجه من المصالح، فلو سأله رجلٌ آخر ليس بفقير أو ليس بقريب، وقد قلَّ مالُ الرجل، وصارَ له عيالٌ ولم يَتركوا له عفوًا، وقد سأله ألف درهم، فإنا لا نعلم أنه يُعطيه لما في الإعطاء من المصلحة، وذلك لأن المصلحة في الإعطاء الأول كان تحصيلُها متيسِّرًا، فجاز أن يكون تيسُّرها أحد الأسباب المقتضية لحصولها، فإنه وصفٌ له تأثيرٌ في الحكم، بخلاف الإعطاء في المرة الثانية، فإذا وجبت الزكاة في مالٍ على وجهٍ فيه تيسيرٌ فلماذا يلزم أن يجبَ على وجهٍ فيه تعسيرٌ؟ وإن ادعى أن لا تعسير فيه خاض في فقه المسألة.

والغرض أن نبين فساد الطريقة الجدلية، وأنه لا بدَّ عند التحقيق من الرجوع إلى المعاني الفقهية والتأثيرات الحكمية، وإذا لم يتبين أن المناسبة المذكورة مقتضيةٌ الزكاةَ على الإطلاق ولا في كل مال لم يكن عدمُ إيجابها في بعض الصور تركًا لدليلٍ أصلًا، بل تكون دعوى ما يوجب تركَ العمل بالدليل من غير دليلٍ على الموجبة (١)، وهذا لا يجوز.


(١) كذا الأصل. ولعلها «الموجبية».