للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لذكرنا من ذلك شيئًا كثيرًا.

وأمّا الدليل الخاصّ العلمي فهو أن يقول مثلًا: مالُ المدين مشغولٌ بإعدادِه لقضاءِ الدَّين، وقضاءُ الدين من الحوائج الأصلية بمنزلةِ احتياجه إلى الطعام والكسوة، ولذلك لم يَجِبْ عليه الحجُّ، ولم يجب عليه نفقةُ الأقارب، وجازَ له أخذُ الزكاة لقضاءِ دَينه، كيفَ وكثيرٌ من العلماء يُقدِّمون دينَه على حاجتِه إلى الطعام والكسوة في المستقبل، حتى من يُجرِّدونَه من ماله إلّا ثيابَ البِذْلة. ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أُحِبُّ أنَّ عندي مثلَ أُحدٍ ذَهَبًا يَمضي عليَّ ثالثةٌ وعندي منه درهمٌ، إلّا درهمًا أَرصُدُه لقضاء دَيْن" (١). وقال: "نَفسُ المؤمنِ مُعلَّقةٌ بدَيِنه حتَّى يُقضَى" (٢).

فإذا كانت الحاجةُ إلى قضاءِ الدَّين أَوْكَدَ من الحاجة إلى كثير من ثيابِ البِذْلة وعَبِيْدِ الخدمة، ثم ثبتَ أن الزكاة لا تجب فيما هو مُعَدٌّ لطعامِه وكسوتِه وخدمتِه ومسكنِه، فما هو مُعَدٌّ لقضاءِ دَينِه أولَى. وتحريرُ هذا الكلام في كتب الفقه.

وعلى المعترضِ حينئذٍ أن يقدح في الملازمة، ويُبيِّنَ أنَّ وجوبَها على المدين ليسَ بمستلزمٍ وجوبَها على الفقير، إمَّا بذكرِ الفوارق، وإما بتفريق النصوص، فيقول مثلًا: الفقيرُ ليسَ بيده مالٌ زكوِيٌّ، لأنه إن لم يكن مالكًا


(١) أخرجه أحمد (٢/ ٤١٩، ٤٥٧، ٤٦٧، ٤٥٠، ٣٢٦، ٣٥٨، ٣٩٩، ٣٤٩، ٣٦٧، ٥٠٦، ٥٣٠) من طرقٍ عن أبي هريرة. ورواه البخاري (٢٣٨٩، ٧٢٢٨) ومسلم (٩٩١) بنحوه.
(٢) أخرجه أحمد (٢/ ٤٤٠، ٤٧٥، ٥٠٨) والترمذي (١٠٧٨، ١٠٧٩) وابن ماجه (٢٤١٣) من حديث أبي هريرة. وحسَّنه الترمذي.