للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(فصلٌ في الأثر) (١)

اعلم ــ أصلحك الله ــ أن الأثر في اصطلاح فقهاء الخراسانيين يُعنى به قولُ الصحابة، ويسمون قولَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - خبرًا (٢)، وأما اصطلاح سائر الفقهاء وعامة المحدِّثين فإن الأثرَ عندهم كلُّ ما أُثِر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه، وربما أدخلوا فيه ما أُثِر عن التابعين وغيرهم من السَّلَف (٣)، واللغةُ تساعد هذا الاصطلاح، كقول عمر - رضي الله عنه -: «ما حلفتُ بها ذاكرًا ولا آثرًا» (٤)، أي: ذاكرًا عن نفسي، ولا آثرًا عن غيري، ومنه قولُه تعالى: {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ} [الأحقاف: ٤]، قالوا: هو الرواية والاستناد والكتابة عمَّن مضى ممن يُقْبَل قولُه (٥)، وهم الأنبياء عليهم السلام، ويقولون: فلانٌ يأثر هذا الحديث، أي: يرويه ويسنده إلى غيره، والمقصودُ هنا قول الصحابة.

وجملةُ ذلك (٦)؛ أن الصحابيَّ إذا قال قولًا فإما أن يخالفه صحابيٌّ أو لا يخالفه، فإن خالفَه صحابيٌّ آخر لم يكن قولُ أحدِهما بمجرَّدِه حجةً، بل يجب الرجوعُ إلى دلالات الكتابِ والسُّنة، إلَّا على قولِ بعضهم من ترجيح


(١) «الفصول»: (ق/١٠). وانظر: «شرح المؤلف»: (ق/١٠٠ أ- ١٠٠ ب)، و «شرح السمرقندي»: (٧٨ أ- ٧٨ ب)، و «شرح الخوارزمي»: (ق/٩٢ أ- ٩٢ ب).
(٢) انظر: «علوم الحديث»: (ص ٤٦) لابن الصلاح.
(٣) انظر: «فتح المغيث»: (١/ ١٢٣ - ١٢٥).
(٤) أخرجه البخاري رقم (٦٦٤٧)، ومسلم رقم (١٦٤٦).
(٥) انظر «الدر المنثور»: (٦/ ٤) فقد ذكر نحوه عن جماعاتٍ من السلف.
(٦) هذا البحث نقله الإمام ابن القيم في «إعلام الموقعين»: (٠٥/ ٥٤٦ - ٥٨١، ٦/ ٥ - ٤٠) مفرَّقًا دون عزو. وقد أشرنا إلى ذلك في أماكنه، واستفدنا منه في تقويم النص.