للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا قَاسَها الآسِيْ النِّطَاسِيُّ أَدْبَرتْ

يعني: إذا قاسَ الطبيبُ غَوْرَ الجراحةِ بالميل.

فالأصل بمنزلة المقياس (١) الذي يُعتَبرُ به حكمُ الفروع، وهكذا شأنُ جميع المقاييس، فإنك تعتبر ما لا يُعلَم وصفُه بما قد عُلِمَ وصفُه، كاعتبار المكيل بالمكيال (٢)، والموزونات بالصنجة والميزان، والممسوحات بالذراع، واعتبار أوزانِ الشعر بعَروضه، واعتبار عربية الكلام بالنحو. وجماعُ ذلك كلّه التسويةُ والتعديلُ وإعطاءُ الشيء حكمَ مثلِه، وهو العدل الذي به قامت السماوات والأرض، وإليه الإشارة بقوله: {أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} [الشورى: ١٧]، وهو اسمٌ جامعٌ لكلّ دليل عقلي، فإن العقلَ من شأنِه أن يعتبر الأشياءَ بأمثالِها وأضدادِها وخلافاتِها.

وقد زعمَ بعضُ أهل النظر أن تسمية التداخل والتلازم والتقابل: قياسًا [لا] يجوز، إذ القياس يعتمد التشبيه والتمثيل، ولا تشبيهَ ولا تمثيل في ذلك. وليس كما قال، لأن تسمية هذه الأدلة العقلية قياسًا لأنك تقدر العلوم بها وتعتبرها بها وتَزِنُها بها، والقياس تقدير الشيء بالشيء، وهذا محض التمثيل والتشبيه لها باعتبار قدرٍ مشتركٍ بينها، وليس القياس إلا ذلك، فعُلِم أن فيها قياسَ تمثيل وقياس تعليل، والكلام في ذلك واسع.


(١) في الأصل: «القياس» خطأ.
(٢) في الأصل: «بالمكيل».