إضرارًا، وحيث جاز ذلك مثل: قَتْل القاتل، وجَلْد الشارب؛ فليس بضرر؛ لأنه منفعة عامة للناس ومنفعة خاصة للمحدود بتطهيره من الذنب. وتحقيق العقوبة والمضرة المغمورة في جانب المنفعة ليست مضرة مطلقة، ولهذا لا يُعَدّ نزول الغيث وقت الحاجة ضررًا، وإن كان فيه هَدْم بعضِ البيوت، واحتباس بعض السَّفْر، وانقطاعُ بعض الناسِ عن مصالحهم.
وإذا جُعِل متناولًا للإيجاب أو التحريم لزم تخصيصُه بكلِّ ما أوجبَه الله أو حرَّمه، ومعلوم أن هذه صور كثيرة لا تُحْصَى أشخاصها، وإذا دار الأمرُ بين ما يلزم منه التخصيص وبين ما لا يلزم منه التخصيص، كان حملُه على ما يقتضي بقاء عمومه وحفظَه عن التخصيص أولى؛ لما في التخصيص من مخالفة الأصل، وهذا ظاهر.
ولو سُلِّم أنا إذا حملناه على أفعال العباد كان فيه تخصيص لكان يقال: إذا حُمِل على الأحكام كَثُر فيه التخصيص، وما كان على خلاف الأصل فكثيره على خلاف الأصل.
الوجه السابع: أنه لا يصح اندراج الإيجاب أو التحريم فيه إلا بإضمار الأحكام؛ لأن الإسلام فِعْل العبد المسلم، يقال: أسلم لله يُسلم إسلامًا، وأسلم وجْهَه لله يسلمه إسلامًا.
فإذا قيل: ليس في هذا الدين ــ الذي هو الإسلام ــ ضرر ولا إضرار، كان حقيقة نفي ذلك عن الدين الذي يفعله العباد. فإذا قصد به: ليس في حكم الله الذي يحكم به على أهل هذا الدين؛ افتقر إلى إضمار. وحَمْل الحديثِ على معنًى لا يفتقر إلى إضمار أولى من حمله على معنى يفتقر إلى إضمار؛ لأن الإضمار خلاف الأصل.