بمثل ما قلنا، سواء كان ذلك الأمر ــ وهو الذي ضم إليه ضد المدَّعَى ــ من صُوَر الإجماع كما مر، أو من صور الخلاف نحو المركَّب مثلًا، أو كان فيه روايتان عن مجتهدٍ، والترديد لازم بعد اللزوم فيها (١)).
واعلم أن التنافي على هذا الوجه مقيَّد في الجملة، وهو مما يمكنُ تمامه، وذلك لأنه إذا ردَّدَ الكلام بين أمرين، وبيَّن أن الاجتماع منتفٍ على كلِّ واحد من التقديرين بدليلٍ يختصُّ ذلك التقدير، كان بمنزلة أن يقيمَ دليلًا يدلُّ بنفسه على امتناع الاجتماع، بأن يُبَيِّن أن ثبوت أحدهما ينفي ثبوتَ الآخر، فإن ذلك قد يمكن في مواضعَ كثيرة؛ لأنه لا فرقَ أن يُبَيِّن تنافيهما وامتناع اجتماعهما بدليل يدلُّ على ذلك، أو يُبَيِّن انحصار الأقسام في أمور، ويُبَيِّن تنافيها على تقدير كلِّ قسمٍ من الأقسام.
وكذلك أيضًا لا فرقَ بين إثبات التلازم بما يدلُّ [ق ٢٣٣] بنفسه على ذلك، أو ترديد الحال في أمور، وبيان اللزوم على تقدير كلِّ قسم، وهذا ظاهر، بخلافِ ما إذا بيَّن التنافي بدليل يُثبت أحدَهما، وبدليلٍ آخر ينفي الآخر، وليس لدليلِ ثبوتِ أحدِهما إشعارٌ بانتفاء الآخر، ولا لدليل الانتفاءِ إشعارٌ بثبوتِ الآخر، بل يجوز أن يستدلَّ بدليلِ ثبوتِ أحدِهما على ثبوتِ الآخر، كما يستدلُّ على انتفائه، ويجوز أن يمنع الحكم هناك على تقدير خلاف المدَّعَى هناك، وفَرَضْنا ثبوتَ موجب الدليلين= لكان ذلك أمرًا اتفاقيًّا لا لزوميًّا، والأمرُ الاتفاقي لا يدلُّ على التنافي؛ لجواز تغيُّر الحال الاتفاقية، ولأنه لا مناسبة بينه وبين ما استدلَّ به عليه، ولابدَّ أن يكون بين الدليل والمدلول نوعُ علاقة ورباط، ولأنَّ التنافي هو كون أحدهما ينفي