للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لما ادَّعى أن الأصل مخصوص من اللفظ العام بمعنى عدم إرادته مع تناول اللفظ إيَّاه، فيخص منه النزاع. قال: «ولئن قال: لِمَ قلتم إن اللفظ تناولَه؟»، قال: «فنقول: بدليل صحة الاستثناء». وذلك أن صحة استثناء الشيء من اللفظ يَدُلُّ على أنه عامٌّ له، لأن الاستثناء يُخرِج من اللفظ ما لولا هو لما خرج، بدليل النقل والاستعمال والحكم والاشتقاق.

أما النقل فإن أهل النحو ذكروا ذلك في كتبهم، وقالوا: إخراجُ ما لم يدخل استثناءٌ منقطعٌ، وإنما حقيقة الاستثناء أن يخرج بعض ما دخل في اللفظ.

وأما الاستعمال فإن الاستقراء دلَّ على أنّ العرب إنما تُخرِج من اللفظ ما دَخلَ فيه، فإذا لم يدخل استُغنيَ بعدمِ دخولِه عن إخراجه.

وأما الحكم فإنه لو قال: «عَبِيْدي أحرارٌ إلّا فلانًا» عَتَقُوا كلّهم إلا فلانًا (١)، [ق ١٥٢] ولو لم يَستثنِه لعتقوا كلُّهم، ولولا أن الاستثناء أخرجه وكان داخلًا بدونه لما كان كذلك.

وأما الاشتقاق فإن الاستثناء استفعالٌ من الثَّنْيِ، وهو الصَّرف والمنع، يقال: ثَنيْتُ عِنانَ الفرس، وثَنيْتُ فلانًا عن رأيه، إذا طلبتَ صَرْفَه عن وجهه. فالاستثناءُ طَلَب (٢) صَرْفِ المستثنى ومَنْعِه عن الدخول، ولولا قيامُ المقتضي لدخولِه لم يحتج إلى ذلك. وإذا قام المقتضي السالم عن المعارض وجبَ دخولُه.

فإن قيل: هذا يُشكِل بالاستثناء من غير الجنس.


(١) الأصل: «فلان».
(٢) الأصل: «يطلب» والمثبت يقتضيه السياق.