للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلِّ باب من أبواب الخير، وإلا كانوا خيرًا من بعض الوجوه، فلا [ق ٢٩٩] يكونون خير القرون مطلقًا، فلو جاز أن يخطئ الرجل منهم في حكم وسائرُهم لم يفتوا بالصواب، وإنما تنبَّهَ للصواب من بعدهم= لزم أن يكون ذلك القرن خيرًا منهم من ذلك الوجه؛ لأنَّ القرنَ المشتمل على الصواب خيرٌ (١) من القرن المشتمل على الخطأ وأفضل في ذلك الفن.

ثم هذا يتعدد في مسائل عدة؛ لأن من يقول: إن قول الصحابي ليس بحجة، يجوّز أن يكون من بعدهم أصاب في كل مسألة قال فيها الصحابيُّ قولًا ولم يخالفه صحابيٌّ آخر، ومعلومٌ أن هذا يكون في مسائل كثيرة تفوق العدَّ والإحصاء، فكيف يكونون خيرًا ممن بعدهم، وقد امتاز القرنُ الذي بعدَهم بالصواب فيما يفوق العدَّ والإحصاء مما أخطأوا فيه؟! وفضيلةُ العلم ومعرفةُ الصواب أكمل الفضائل وأشرفُها، وهذا ظاهرٌ لمن تأمله، فإنه وصمة على الأمة أيّ وصمة أن يكون الصِّدِّيق أو الفاروق وغيرهما قد أخْبَر أنَّ حُكْمَ الله كَيْتَ وكَيْتَ في مسائل كثيرة وأخطأوا في ذلك، ولم يشتمل قرنُهم على ناطقٍ بالصواب في تلك المسائل، حتى نبغ من بعدهم فعرفوا حكمَ الله وأصابوا الحقَّ عند الله؛ إنَّ هذا مما يُعْلَم قطعًا أنه مُحال على هذه الأمة.

الوجه التاسع (٢): أن السَّلَف أجمعوا على ذلك من الصحابة والتابعين


(١) الأصل: «خيرًا».
(٢) هذا الوجه حشد فيه المصنِّف طائفة من الآثار السلفية، وقد أخذها تلميذه ابن القيم فجعل من بعضها وجوهًا مستقلِّة، وحَشد جملةً منها تحت وجهٍ واحد، انظر «إعلام الموقعين» من الوجه التاسع عشر فما بعده: (٥/ ٥٧٩ - ٥٨١ و ٦/ ٢٤ - ٢٩).