وحاصله أنه ذكر عَدمين لا حاجة إليهما، فإنه زعم أن الدليل دل على [عدم] الحكم المتنازع فيه، ثم جعل عدم الحكم المتنازع مستلزمًا لعدمِ الأمرين، وهما الإضافة إلى المشترك والحكم في الفرع، وجعلَ عدمَ الأمرين مستلزمًا لعدم الحكم. ولو كان الدليل دلَّ على عدم الحكم المتنازع فيه لم يحتج إلى أن ينفيه بواسطةٍ تنفيها لكونها تَنتفي بانتفائه، فإن الاستدلال على الشيء بنفسه لا يجوز، فكيف الاستدلالُ عليه بما لا يَثبتُ إلا بعدَ ثبوتِ المستدَلِّ عليه؟
الرابع: قوله: «فيتحقق هو أو ملزومٌ من ملزوماتِ عدمِ كلٍّ منهما».
قلنا: إن أردتَ بالملزوم هو نفسه كان التقدير: يتحقق هو أو هو، فإن قيل: فيتحقق هو، وهو ملزوم من ملزومات عدم كل منهما كان أجود. وإن أردتَ بملزوم من ملزومات العدم [ق ١١١] غيرَه، فذلك لا يكون ملزومًا إلا بواسطة هذا، فيكون التقدير: فيتحقق هو أو اللازم من لوازمه التي تستلزم عدمَ كلٍّ منهما، ومعلومٌ أن لازمه تابعه، وقد يجوز انفكاكه عنه، فإذا ردَّد الكلامَ أوهمَ جوازَ حصولِ لازمه بدونه، وهو غير جائز.
الخامس: قوله: «والدليل دلَّ على العدم، فيتحقق هو أو ملزوم من ملزومات عدم كلٍّ منهما» لفظ مشترك، فإن حرف «أو» للترديد يقتضي أحد الشيئين، ولو دلَّ الدليلُ على عدم الحكم لتحقق عدم الحكم وما يستلزم عدم كلٍّ منهما، لأن عدم الحكم يستلزم عدم كل منهما، فإذا كان عدم الحكم وعدم ملزوم عدم كل منهما يتحققان إذا عُدِمَ الحكمُ كيف يصح أن يُجعلَ اللازم أحدهما؟ وما هذا إلّا بمثابة أن يقال: إن كان زيدٌ أبا عمرو فزيد ابن أبي عمرو أو أبو عَمرو.