ما يقتضي عدمَه، وإن عنيتَ الدليل [ق ١١٠] في نفس الأمر لم نُسلِّم ذلك، فإنّا لا نُسلِّم أن في المسألة نصًّا ينافي الوجوب، وإن عنيتَ دليلًا تذكره فلم تذكره، ثم لو ذكرتَه كنتَ قد ذكرتَ دليلًا، فأنت تريد إبطال دليل المستدلّ بإثبات نقيضِ مُدَّعاه فتكون قد منعتَ مقدمته التي استدل بها بإثبات نقيض ما ادعاه من الحكم المتنازع فيه، وذلك غير مقبول، لأنه غَصْبٌ.
فإن قال: إنما استدللتُ على ذلك بعد فراغه من الدليل.
قيل: لم يذكر دليلًا مستقلًّا على نفي الحكم، وإنما مَنَعَه مقدمةَ الدليل، وعارضَه فيها بما يدل على بطلان الحكم المتنازع فيه، وهذا عَينُ الغَصْب.
الثالث: أن قوله: «العدم في المتنازع مما يَستلزم عدمَ كل واحدٍ مما ذكرتم، والدليل دلَّ على العدم، فيتحقق هو أو ملزومُ عدمِهما».
قلنا: إن صحّ قيام الدليل على العدم فهو مستلزمٌ عدمَهما، فأنت مستغنٍ عن تحقق ملزوم عدمهما، لأن المقصود من تحقق ملزوم العدم الاستدلال به على تحقق لازمه، وهو العدم أعني عدمَهما، وإذا كان لا يثبتُ ذلك إلا بالدليل على تحقق عدمهما الذي هو لازم قيام الدليل على عدم الحكم المتنازع فيه، فأنت تُثبِت المدلولَ بما لا يثبت إلا بعد ثبوت المدلول، حيث أثبتَّ عدمَهما بتحقق ملزومه الذي يُحقِّق عدمَ ملزومهما، وتحقُّقُ عدم ملزومِهما أعني ثبوتَه وحصولَه إنما أثبتَّه بثبوت ملزومه، وهو عدم الحكم المتنازع فيه، فإنه إذا تحقق عدمُ الحكم فقد تحققَ عدمُ ملزوم عدمهما، وإذا تحققَ عدمُ ملزوم عدمِهما تحققَ لازمُه وهو عدمهما، وإذا تحققَ عدمُهما تحققَ عدمُ الحكم. فأنت أثبتَّ عدمَ الحكم بمقدماتٍ لا تَثْبُتُ إلا بعدَ عدمِ ثبوتِ الحكم، وهذا من أقبح المصادرات.