للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يكون إلّا بعد وجود فعل الدوران المعروف أن يبقى محلَّ الدائر حتى يكون انتفاء الدائر عنه تبعًا للمدار دليلًا (١) على أن المدار علة، كما إذا قيل: شرب الدواءَ فأطلَقَه، ثم تَركَه فاحتبَسَ، فإذا عُدِمَ الدواء [عُدِم] الإطلاقُ، والبطنُ موجود.

الثالث: أن المناسبة تارةً تفيد اليقين، وتارةً تُفيد الظنَّ كالدوران، فإنا إذا رأينا رجلًا قد أضجعَ رجلًا وبيده مُدْيَةٌ حادَّةٌ، فقطعَ بها رقبتَه، نعلم قطعًا أن مباشرتَه للفعل الصالح للزُّهوقِ كان دليلًا على أنه قَصَدَ الزُّهوق، يعني نحكم (٢) بأن ذلك [كان] عمدًا، والعمديَّةُ من صفات القلب، ونقتله بذلك. وأمثلتُه كثيرةٌ، فكان ينبغي أن يذكر القدر المشترك بين العلم والظن، وهو الاعتقاد.

الرابع: أن الذي توجبه المناسبةُ قطعًا أو ظاهرًا أو تَستلزِمُه: عِلِّيّةُ الأمر المناسب وإضافة الفعل إليه، بمعنى أن الفاعل قصده. وهذه العليَّة والإضافة أمرٌ ثابت في نفسه، سواء كان هناك من يظنُّ أو لم يكن من يظنُّ. كما أنّ الأكل في نفسِه يستلزم قصد الآكلِ الشبعَ أو التلذذ (٣) ونحو ذلك. وكذلك سائر الأمور الدالة هي في أنفسها على صفاتٍ تُوجِب مدلولاتها قطعًا أو ظاهرًا. وإنما ظنُّ الإنسان تابعٌ للدليل عليه في نفسه. هذا مذهب المحققين، بخلاف من اعتقدَ أن [ق ٧٢] الظنون أمورٌ اتفاقية لا مُوجِب لها، ولا تقديم فيها ولا تأخير، وبنَى على ذلك أن لا حُكمَ للهِ في الظنيات إلّا ما


(١) في الأصل: «دليل».
(٢) كذا الأصل. ولعلها: «حتى نحكم».
(٣) العبارة لم تحرر، ولعل هذا صوابها.