للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلف الفقهاءُ في مواضع هل يُعْمَل فيها بالاستصحاب لكونه يتضمن يقينًا آخر، كذهاب مالكٍ إلى [أنَّ] من تيقَّنَ الطهارة وشكَّ في الحدث لا يدخل في الصلاة بطهارةٍ مشكوكة، وكذهابه في أبواب الطلاق إلى أشياء تُخالف البناءَ على الاستصحاب احتياطًا للأبْضاع. وربما تعارض استصحابان (١)، فيتردَّدُ الفقهاء [ق ٣١٤] في تقديم أحدهما، كما لو علَّق الطلاقَ على أمرٍ عدميٍّ بأن يقول: إن لم أفعل اليومَ كذا فهي طالقٌ، ويمضي اليوم ويشك في فعله، فبالنظر إلى أن الأصل عدم ذلك الفعل يقع الطلاق، وبالنظر إلى أن الأصل بقاء النكاح لا يزول بالشَّكِّ.

وكذلك لو قَدَّ (٢) ملفوفًا في كساء، أو قَلَع عينًا، واختلفَ الجاني وولي المجنيِّ عليه في الحياة أو الصحة، فبالنظر إلى أن الذمة بريئة يُقَدَّم قولُ الجاني، وبالنظر إلى أن الأصل الحياة والصحة يُقدَّم قول وليِّ الجناية.

والمختار في هذه المواضع: تقديم الأصل الطارئ، فيُقدَّم قول وليِّ الجناية؛ لأن براءةَ الذمة زالَ حكمُه بحدوث الجناية، وبقاءُ الحياة لم يظهر بعده (٣) أصل يغيّره.

وبالجملة؛ فالكلام في أنواع الأحكام التي لا تختلف آحادُها إلا بالشخص والعدد وظيفةُ الفقيه، والكلامُ في أعيانها وأشخاصها التي لا تعدُّدَ فيها وظيفةُ المفتي والحاكم. والعملُ باستصحابِ الحالِ في أنواع الأحكام وأعيانها متَّفَقٌ عليه بين العلماء.


(١) الأصل: "استصحاب" ولعل الصواب ما أثبتّ.
(٢) أي: شَقَّه.
(٣) غير بيِّنة في الأصل، وهكذا قرأتها.