وشُكرِ النعمة= نقول: فرض الزكاة لذلك. وحِفظُ العقلِ لما كان حكمةً في نظر الشرع، حتى حرَّم المسكرات، فإذا أَمَر بالحدِّ لذلك نقول: إنما أمر بالعقوبة على ذلك ليَحفظَ العقول. وأمثلة ذلك كثيرة.
والدليل على ذلك وجوه:
أحدها: أن هذا الحكم لا بدَّ له من حكمةٍ ومصلحةٍ، لأن الحكم العاري عن المصلحة عَبَثٌ. والحكمة إمّا هذا الأمر أو غيره، لكن غيره معدوم بالنافي المستمر، فيتعيَّن هذا الأمر. ولهذا نقول: إذا رأينا [ق ٦٤] أمرًا حادثًا يفتقر إلى سببٍ، ورأينا هناك سببًا صالحًا، أضفناه إليه، كما نضيف الزُّهوق إلى الجرحِ المتقدم، فنوجب جزاءَ الصيد بذلك على المُحرِم، ونوجب القصاص على الفعل، ونُبيح الصَّيدَ للرامي.
الثاني: أنّا إذا تأملنا أكثر الصُّورَ وجدنا الحكم فيها مضافًا إلى تلك الحكمة المعلومة الظاهرة، فيُلحَق الفردُ بالأعم الأغلب. كما إذا علمنا أن الغالب على أهل بلدةٍ صفة، ثم رأينا واحدًا منهم، سَحَبْنَا عليه ذلك الغالب، ولذلك جاز قتلُ مَن في دار الحرب ومَن في صفِّ الكفّار، مع تجويز أن يكون مسلمًا. ولولا أن دِيْلَ الغالبُ على الأفراد، وإلّا لقيلَ (١) بالأصل المحرّم لقتل المعصوم.
الثالث: أنّا نجد الناس إذا رأوا فعلًا، ورأوا له سببًا مناسبًا، أضافوه إليه، كما لو رأوا الأمير قد قتل جاسوسًا أو مرتدًّا أو قاطعَ طريقٍ قالوا: قتله لذلك الوصف المناسب، مع تجويز أن يكون هناك سببٌ آخر. ولولا أن علمهم
(١) في الأصل: «وإلا لما قيل». وهو عكس المفهوم من السياق.