في الجدل، ويعرف بـ «فصول في الجدل»، أو «مقدمة في الجدل» أو «المقدمة البرهانية». وهذا الكتاب يمثِّل مرحلة متأخرة من مراحل التأليف في (علم الجدل)، إذ مُزِج علم الجدل بكثير من مصطلحات ومباحث المنطق والفلسفة، وعُرف هذا المنهج بتطويل العبارة وإبعاد الإشارة، واستعمال الألفاظ المشتركة والمجازية في المقدمات، ووضع الظنيات موضع القطعيات، إلى غير ذلك من التمويهات.
وقد لقيت هذه الطريقة رواجًا عند بعض الفقهاء والمشتغلين بالطلب في القرن السابع وما بعده بقليل. والذي غرَّهم بهذه الطريقة، ودَفَعهم إلى الاشتغال بها: ظنُّهم أنها تضبط لهم قواعد الاستدلال، وتُدرِّبهم على إيراد الشبه والاعتراضات والرد عليها ... حتى وصل الحال بكثير منهم أن اعتبروا هذا الجدل المُمَوَّه من أعلى درجات العلم الشرعي، وظنوا أنه يُمَكّنهم من تحرير المسائل أبلغ تحرير!
والواقع أنهم خالفوا بذلك منهج السلف في الجدل الصحيح والمناظرة المثمرة، فاستحسنوا ما ذمَّه السلف، وجعلوا الأصول والقواعد الصحيحة عُرضة للتشكيك، وأعطوا الطلاب سهامًا يُفَوّقونها إلى تلك المسلمات والقواعد. فكان من الواجب على مَن وهَبه الله علمًا وفقهًا أن يتصدى لهذا الانحراف بنقض هذه الطريقة وبيان فسادها. فأتى الشيخُ على هذه «المقدمة» من أولها إلى آخرها شرحًا ونقضًا، إذ يشرحها على طريقة أصحابها ــ المتكلمين ــ ثم ينقض عليهم بطريقتهم وطريقةِ أهل الجدل المحققين، فأظهر براعة عجيبة، وسعة معرفة بطرائق الجدليين بأنواعهم: المتقدمين والمتأخرين، والمتكلمين الممَوِّهين، والأصوليين المحققين