للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إما دلالة اللفظ أو غيره، والثاني منتفٍ، لأن الأصل عدم الغير، ولأنا رأيناهم لا يتوقفون عند سماع اللفظ على غيره، ورأيناهم يَعزُونَ الحكمَ إلى اللفظ، ولأن القضايا المتعددة إذا اشتركت في حكمٍ وسببٍ غَلبَ على الظن أن ذلك السبب هو الموجب للحكم، فإذا كان اللفظ هو المقتضي مع تخصيصه وهو موجود وجبَ العملُ به.

وأيضًا فلو لم يكن اللفظ مقتضيًا لشيءٍ من الأفراد إلَّا بشرط اقتضائه لسائرها، لكان التخصيصُ إخراجًا لجميع الأفراد عن اقتضاء اللفظ لها، وذلك تعطيل اللفظ، فوجب أن لا يكون التخصيص جائزًا، لإفضائِه (١) إلى تعطيل اللفظ، وفي إجماع أهل اللغة والشريعة بل إجماع الأمم على جوازه ووقوعه وحُسْنِه ما يَمنعُ هذا. وإذا ثبتَ أن المقتضي قائم، فلم يعارضه إلا قياس التخصيص، والقياس لا يجوز أن يعارض النص، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ: «بم تَحكُم؟» قال: بكتاب الله، قال: «فإن لم تجد؟» قال: فبسنة رسول الله، قال: «فإن لم تجد؟» قال: أجتهد رأيي ولا آلُو. قال: «الحمد لله الذي وفَّق رسولَ رسولِ الله لما يُرضِي رسولَ الله» (٢). فصوَّب النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذًا على تركه العملَ باجتهاد الرأي [عند وجود ما يُحكَم به في الكتاب والسنة. والقياس يكون باجتهاد الرأي] (٣)، بل هو أخص الاستنباطات باجتهاد الرأي، فوجب أن يكون تركه عند وجود ما يُحكَم به في الكتاب والسنة صوابًا، ومن وجدَ العامَّ المخصوصَ فقد وجدَ ما يحكم به في الكتاب والسنة، فيكون تركُه


(١) الأصل: «الاقتضابه».
(٢) سبق تخريجه (ص ٢٠٧).
(٣) زيادة ليستقيم المعنى، ولعلها سقطت لانتقال النظر.