للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دخوله، أو بعدم إرادتِك دخولَه، وهذا هو الأصل في تخصيص العام. فإذا قيل: إن الله سبحانه خصَّ من قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: ١١] العبد والكافر والقاتل، فمعناه أنه لم يُرِد دخولهم في الحكم، بل أراد عدم دخولهم. وكذلك المتكلم من الخلق إذا قال: من دخل داري من نسائي فهي طالقٌ، واستثنى بقلبه «إلا زينب» نفعَه هذا الاستثناءُ فيما بينه وبين الله، وفي قبوله في الحكم خلاف مشهور، لكن هذه الإرادة ــ أعني إرادة الله سبحانه أو إرادة المتكلم ــ لما كانت خفيَّةً (١) عن الخلق جعل ما يدلُّ عليها مخصَّصًا، والمستدلُّ بذلك الدليل مخصِّصا. فهذا هو المعنى الثالث.

والرابع من معاني التخصيص: فإنّا نقول: قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَرِث المسلمُ الكافرَ» (٢) خصَّ آية المواريث، وقولُه: «لا يُقطع السارق إلا في رُبُع دينارٍ» (٣) خصَّ آية السرقة. أو نقول: قولُه: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] خصَّ قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨]، وقوله: {أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: ٢٢٦]. ويقال: فلان يخصِّصُ هذه الآية أي يعتقد أنها خاصةٌ بدليلٍ اقتضى ذلك، ثم إنك تقول: خصصتُ العامّ بكذا أي جعلتُه مخصوصًا ببعض أفراده، وخصصتُ هذه الصورة من العامّ، أي جعلتُها مخصوصةً من حكمه. فالمخصوص يُقال على العامّ الذي أُخرِج منه شيء، وعلى ما أُخرج من العامّ.


(١) الأصل: «غنيا».
(٢) أخرجه البخاري (٦٧٦٤) ومسلم (١٦١٤) عن أسامة بن زيد.
(٣) أخرجه البخاري (٦٧٩٠) ومسلم (١٦٨٤) عن عائشة.