٢٢] وليس عدمُ كون المناسبة والدوران عِلَّة بأكثر من الأمور الممتنعة، فلا يضر تحقُّقُ هذا العدم على تقديرٍ ممتنعٍ.
الرابع: أن يقال: لو سلَّمنا ثبوتَ الوجوب في الأصل لم يلزم كون المشترك عِلَّة؛ لأن الأحكامَ المتماثلة يجوز أن تُعَلَّل بعللٍ مختلفة، كالملك فإنه نوع يثبت بعللٍ من البيع والهبة والإرث، فيجوز أن يثبت الوجوب في الأصل بعلةٍ، وفي الفرع بأخرى، فلا يكون المشترك علة.
الخامس:[ق ١٦٩] المناسبةُ والدورانُ قد دلَّا على عدم عِلَّيَّةِ المشترك في الأصل مع النص والإجماع، فإنه لو كان علةً لثبتَ الوجوبُ في الأصل والفرع، وهذا خلاف الإجماع، فلا يجوز أن يدلَّا على كون المشترك علةً بتقدير الوجوب في الفرع؛ لأن الوجوبَ في الفرع إن كان واقعًا، لزم دلالة الدليل الواحد على النقيضين، وهو محال، وإن لم يكن واقعًا، فتقدير ما ليس بواقع لا يوجبُ تغييرَ الأدلة الشرعية عن موجباتها ومقتضياتها؛ لأن التقديرات الممتنعة، أو التقديرات التي لا حقيقة لها لو أوجبَت تغيير دلالة الأدلة، وانعكاس موجبها= لكانت الأمور العدمية، أو الأمور الممتنعة مغيِّرةً للأمور الوجودية، ومزيلةً لها عن صفاتها. فعُلِمَ أنَّ المناسبةَ والدوران اسم جنس، والدالُّ منه على عدم عِلِّية المشترك فردٌ من أفراده، والدالُّ منه على عِلِّية المشترك بتقدير الوجوب في الفرع فردٌ آخر، فلا يلزم أن يكون الدالُّ على النفي هو الدال على الإثبات على ذلك التقدير، ولا تغيير الأدلة.
فيقال: هذان الفردان إما أن يكونا (١) دليلين باعتبار ما بينهما من القدر المشترك، وهو كونهما مناسبة أو دورانًا، أو باعتبار ما اختصَّ به كلٌّ منهما.