للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«إياك أن تشتغل بهذا الجدل الذي ظهر بعد انقراض الأكابر من العلماء (يشير إلى جدل العميدي) فإنه يبعد عن الفقه، ويضيع العمر، ويورث الوحشة والعداوة، وهو من أشراط الساعة، كذا ورد في الحديث، ولله دَرُّ القائل:

أرى فقهاء هذا العصر طُرًّا ... أضاعوا العلم واشتغلوا بلِمْ لِمْ

إذا ناظرتَهم لم تَلْق منهم ... سوى حَرْفَيْنِ لِمْ لِمْ لا نُسَلِّمْ»

وهذا هو الجدل المذموم الذي منه ما يكون محرمًا، قال إمام الحرمين الجويني: «فالمذموم منه ما يكون لدفع الحق، أو تحقيق العناد، أو ليُلْبَس الحق بالباطل، أو لما لا يطلب به تعرُّفٌ ولا تقرُّبٌ ... إلى غير ذلك من الوجوه المنهيِّ عنها» (١).

وهذه الطريقة المخترعة يبدو أنها لقيت رواجًا في القرن السابع في أوساط الطلبة والمتفقهة، تدل على ذلك عبارةُ ابن خلكان ــ لما ذكر طريقة العميدي ــ «وهي مشهورة بأيدي الفقهاء» (٢)، وكذلك كَثُرت في هذه الطريقة الشروح والتآليف (٣)، وتدل عليه عبارة شيخ الإسلام المذكورة آنفًا. من أجل ذلك رأى شيخ الإسلام أنه يجب التصدِّي لهذه الطريقة وتفنيد ما فيها من الخطأ والباطل (٤)، وذلك بنقض كتاب يُمَثِّل هذه الطريقة، وهو «فصول في الجدل» لبرهان الدين محمد بن محمد النسفي الحنفي المتوفى


(١) «الكافية في الجدل» (ص ٢٢).
(٢) «الوفيات»: (١/ ٢٥٧).
(٣) انظر ما سيأتي في المقدمة، و «مقدمة ابن خلدون» (ص ٥٠٧).
(٤) انظر «الصواعق المرسلة»: (٣/ ١٠٧٩ - ١٠٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>