يُراد به من المعاني ما شاء الله، والمتكلِّم لم يُرِد إلا واحدًا من تلك المعاني، فكيف يقال:«دارَ ظنُّ الإرادة مع جواز الإرادة وجودًا»، وتخلُّفُ الظنِّ عن هذا الجواز أكثرُ من وجودِهِ معه؟!
فإن قال: إنما أُريد بالدوران وجوده معه في عدة صور.
قلنا: لا نُسَلِّم أن الدوران بهذا التفسير فقط يفيد شيئًا، وإنما يفيده التفسير الذي تقدَّم.
وقد يقال أيضًا: لم يَدُر عدم ظن الإرادة مع عدم جواز الإرادة عدمًا؛ لأن كثيرًا من الناس يظنون إرادة ما لا تجوز إرادته، لعدم علمهم بدلالات الألفاظ وبجواز ما يجوز أن يكون مرادًا، لكن هذا مكبوت مغلوب بالنسبة إلى نقيضه.
الوجه الثاني (١): لا نُسَلِّم أنه دار ظن الإرادة مع جواز [ق ٢٥٢] الإرادة في شيءٍ من الصور؛ لأنَّ دوران الظن معه.
أمَّا إذا رأينا الشيء جائز الإرادة ظنَّنا أنه مراد، أو حصل ظنُّنا بأنه مراد، وإذا رأينا غير جائز الإرادة انتفى ظنُّنا بإرادته، والمرجعُ في هذا إلى ما يجده الناس، ونحنُ إذا اعتقدنا أنَّ هذا الشيء جائز الإرادة فقط، من غير ضميمة أخرى؛ لم يَبْنِ ذلك لنا ظنًّا، ولم يَقْتَضِ لنا رأيًا، ولا يوجب لنا اعتقادًا.
ومن ادَّعى أنَّ ظنَّه بوقوع الإرادة يحصل عنه اعتقاده، لأن الشيءَ جائزُ الإرادة= فقد ادَّعى على العقول خلاف ما جَبَلها الله عليه، على أنَّا لا نجد
(١) من الرد على صاحب «الفصول»، والوجه الأول هو المذكور (ص ٤٧٣) من قوله: «وهذا المسلك ليس بشيءٍ ... ».