للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وموجب غير السبب الذي له في الموضع الآخر من غير أن يخطر بباله أن جواز الإرادة هو السبب، وكلُّ سبب من تلك الأسباب يدور الظنُّ معه وجودًا وعدمًا.

الرابع: أنَّ الظن الحاصل بإرادة معنى كلّ كلمةٍ يدورُ مع أسبابٍ خاصةٍ بتلك الكلمة، فالظنُّ الحاصل بإرادة الأمر [ق ٢٥٣] دار مع صيغة «افْعَل» المجرَّدة، أو ما يقوم مقامها وجودًا وعدمًا، والظنُّ الحاصل بإرادة كلِّ المُسَمَّيات من الليل والنهار، والشمس والقمر، والبر والبحر، والسماء والأرض، دارَ مع الصِّيَغ المخصوصة الموضوعة لهذه المعاني على وجهٍ يَطَّرِدُ في كلِّ موارده، وينعكس في غير موارده.

فإن قيل: القَدْر المشترك ــ وهو ظنُّ الإرادة ــ دار مع القدر المشترك ــ وهو جواز الإرادة ــ فيكون مطلق الظنِّ ناشئًا عن مطلق الجواز.

قلتُ: هذا ممنوع ــ كما تقدَّم بيانُه ــ بل ظنُّ إرادة كلِّ معنى دارت (١) مع أسبابٍ خاصةٍ به من وضع اللفظ ومعرفة (٢) دلالته، وتلك الأسباب تستلزمُ كونَ المعنى جائز الإرادة، كما أنَّ كلَّ واحد من شبع [زيد] (٣) وشبع عمرو دار مع قدرٍ مخصوصٍ من الأكل يختصُّ به، فلو قيل: إنَّ مسمَّى الأكل يقتضي مُسَمَّى الشبع، لأنه هو القدر المشترك= كان غلطًا، وإنما القَدْر المشترك الأكل المُشْبِع، أو أكل الكفاية، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، وذلك يستلزم حركةَ فَكِّه عند الأكل، أو حصول الطعام


(١) كذا ولعل الصواب: «دار».
(٢) الأصل: «ومعرفته».
(٣) سقطت من النسخة.