للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اعلم أن المستدل قد يدَّعي إرادةَ شيء يلزم من إرادته الحكم في صورة النزاع، وقد يدَّعي إرادة شيء يلزم منه الحكم، فإن ادَّعَى الأول جائز أن يضمن (١) أنه محلُّ النزاع؛ لأن محلَّ النزاع شيء يلزم من إرادته الحكم في صورة النزاع، وإن ادَّعى الثاني لم يجز أن يضمن نفسَ محلِّ النزاع؛ لأن نفسَ محل النزاع ليس شيئًا يلزم منه الحكم، وإنما يلزم الحكم [ق ٢٦٣] من إرادته، وبَيْنَ المعنيين فرق.

إذا عرفتَ هذا، فالمصنِّف إنما ذكر إرادةَ شيءٍ يلزمُ منه الحكم في صورة النزاع، وهذا لا يجوز أن يفسَّرَ بمحلِّ النزاع؛ لأن محل النزاع لا يلزم منه الحكم، وقد قال: «فنُعَين صورةَ النزاع، أو نقول: نعني ما لا يُغاير صورةَ النزاع في الوصف»، وهذا تعيينٌ للشيء الذي يلزم منه الحكم في صورة النزاع بأنَّه محلُّ النزاع، وهو كما ترى، إلا أنه يمكن أن يقال: لا فرقَ من جهة المعنى بين ما يستلزم إرادته الحكمَ وبين ما يستلزمُ هو الحكم بتقدير كونه مرادًا، ونحن ندَّعي أنَّ محلَّ النزاع يستلزم الحكم إذا كان مرادًا، لاسِيَّما ومن اللغة الفصيحة التسامح في مثل هذا الكلام عند ظهور القصد وحَذْف المضاف وإقامة المضاف إليه مُقَامه.

قولنا: «إرادة شيء يلزم منه الحكم»، أي يلزم من إرادته الحكم، ودلَّ على المحذوف قولُه: «إرادة شيء».

قولُنا بعد ذلك: «يلزم منه»، أي: يلزم من هذا الشيء المراد من حيث هو مراد (٢)، أو يلزم من إرادته.


(١) هكذا استظهرتها، بدليل ما سيأتي بعدها.
(٢) الأصل: «مرادًا»!