أحدهم: إذا رأى المحاويج من الفقراء [ق ٢٨٧] والغارمين وغيرهم كان حِفظُ قليل ماله أحبَّ إليه من سدِّ خَلَّاتهم، وهؤلاء الأشِحِّاء، وهم قليل.
والثاني: من يُؤْثِرُ سدَّ خَلَّةِ المحتاج على قليل ماله طبعًا وخُلُقًا، بحيث يرى أنه إذا ملك عشرة آلاف درهم فَسَدَّ خَلة ناسٍ من المحاويج بربع عُشْرها، فهو أحب إلى طبعه من سلامةِ هذا المال، ومعلومٌ أن هذا هو الغالب على الطباع.
الصنف الثالث: من يكون طبعُه يُحب سدَّ الخَلَّات وإعطاء السُّؤَّال ولو بضرر نفسِه، وهذا طبع الأجواد، وهذا قليل كالأول.
فإن كان غالبُ الناسِ لا تُؤثِر طباعُهم سلامة قليل المال عن سدِّ خلات المحاويج، لم يصح أن يكون عدمُ إيجاب الزكاة مطلوبًا، ولو فُرِضَ أن غالبَ الطباع تأبى ذلك وبعضُ الطِّباعِ تحبُّ إعطاء المحاويج، كانت رِعايةُ هذا الجانب أولى؛ لأن القليلَ إذا كان أفضل وأشرف كان ترجيحُه على كثيرٍ منقوصٍ هو الواجب، ولهذا عشرةُ شُجْعان يقهرون مائة جبان.
الوجه السادس عشر: قوله: «الإيجاب إضرار بالعبد».
قلنا: إيجابُ ما لم يوجبه الشارع [لا يجوز، والشارع](١) أعلم بما ينفع الخلقَ وما يضرهم، وهو أرحَم بهم من الوالدة بولدها، فما أوجبه لم يوجِبْه إضرارًا بهم، أمَّا ما لم يوجِبْه فقد يكون إيجابه إضرارًا بهم، وحينئذٍ فلا يمكن الاستدلال على نفي الإيجاب بنفي الإضرار، إلا إذا عُلِم أنَّ الشارعَ لم