للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويجوز أن يُراد به ظنُّ المؤمن حالَ تحقُّقِه بالإيمان وغلبةِ ذكرِ الله على قلبه، بحيث يكون يسمعُ بالحق، ويرى بالحق، فيكون ظنُّه في هذا الحال مصيبًا؛ لأن ما يُقْذَفُ في قلبه في هذه الحال إنما هو إلهامٌ من الله سبحانه، لكن لا يجوز التمسُّك بقوله؛ لأنه لا يعلم أنَّ الظنَّ الذي ظنَّه حَصَل في حال كمال (١) ذِكْره اللّهَ وغَلَبة الإيمان على قلبه.

ويجوزُ أن يرادَ به ظنُّ المؤمن فيما يتفرَّسُ فيه من أحوال الناس ونحوها، فيكون من قوله: «قد كان في الأُمَم قَبْلَكم مُحَدَّثون، فإن يكن في أُمَّتي أحدٌ فهو عُمر» (٢)، وتلك ليست أحكامًا شرعية.

ويجوز أن يُراد به ظن الأحكام الشرعية، لكن لا يجوز الاعتمادُ على ظنِّه حتى يدلَّ عليه كتابٌ أو سنة، أو ما استُنْبِط منها، وهو قوله: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور: ٣٥]، أي: نور القرآن ونور الإيمان (٣)، كما قيل: هو المؤمنُ ينطقُ بالحقِّ وإن لم يسمع فيه بأثر، فإذا سمع به فهو نور على نور. ألا ترى أن عمر بن الخطاب كان أصوبَ الناسِ ظنًّا، ومع هذا لم يعمل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بظنِّه حتى نزلَ القرآنُ بموافقته، ولم يكن يعملُ هو بظنِّ نفسِه حتى يتأمل دلالاتِ الكتابِ والسُّنة.

ويجوزُ أن يكون هذا في أمورٍ مخصوصة، أو يكون إشارة إلى كثرةِ صواب المؤمنِ وقِلَّة خطئه.


(١) الأصل: «كما» ولعل المثبت الصواب.
(٢) أخرجه البخاري رقم (٣٦٨٩) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، ومسلم رقم (٢٣٩٨) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٣) انظر «الدر المنثور»: (٥/ ٩٠).