للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا استدلالٌ على كون المخبَرِ عنه متحقِّقًا، والمخبَرُ عنه أن الاقتداء بهم اهتداء، فيكون تركيبُ الدليلِ: الإخبارُ بكون الاقتداءِ بهم اهتداء متحقِّق؛ لأنه لو لم يكن متحقِّقًا لكان الاقتداءُ بهم ضلالًا، لا اهتداءً. وهذا استدلالٌ على الشيء بنفي نقيْضِه بغير دليل؛ لأنه يلزم من كون الاقتداء اهتداءً أن لا يكون ضلالًا، ويلزم من عدم كونِه ضلالاً أن يكون اهتداء، فليس الاستدلالُ على أحدهما بالآخر بأولى من العكس.

الرابع: يقال: ولم قلتَ: إنَّ الاقتداءَ بهم لا يكون ضلالًا؟

فإن قال: للحديثِ المذكور.

فيقال له: الحديثُ المذكور دليلٌ على أن الاقتداء اهتداء من غير توسيط (١) هذا التلازم، فأيُّ فائدةٍ في إثبات الشيءِ بنفي لازمٍ لا يمكن نفيه إلا بعدَ إثبات ذلك الشيء الملزوم، فإن هذه المصادرةُ، وهي غير جائزة.

الخامس: لا نسلِّم أنه إذا لم يكن الاقتداءُ اهتداءً يكون ضلالًا، فإنه بين الاهتداء والضلال مرتبةٌ ثالثةٌ، وهي عدم الاعتقاد بالكلِّية، فإنَّ المُهتدي من اعتقد الحقَّ، والضالُّ (٢) من اعتقد الباطل، وأمَّا من لم يتكلَّم في الحادثة، ولم يعتقد فيها شيئًا [ق ٣٠٧] فليس بمهتدٍ فيها ولا ضالٍّ.

واعلم أن هذا الحديث قد يُحتجُّ به على أنَّ قولَ الصحابيِّ حجة؛ لأنَّ الاقتداء به اهتداء، كما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد يُحتجُّ به على جواز تقليدِ كلِّ واحدٍ منهم وإن اختلفوا؛ لعموم الحديث، وربَّما احتجَّ به من قال: كلُّ مجتهدٍ مُصيب. وللناس عليه أَسْوِلة:


(١) تحتمل: «توسُّط».
(٢) الأصل: «الضلال»، وهو سبق قلم.