يدلَّ الشرعُ على عدمِ ذلك، ولا يكاد يتأتَّى (١) عندهم.
الضرب الثاني: استصحابُ حال دليل العقل في براءة الذمم من التكاليف التي لا يدل عليها مجرَّد العقل، إما لكونه لا يستقلُّ بالإيجاب، كما هو قولُ جماهير أهل السنة، أو لأنه قصَّر عن دَرْك إيجابها، كما هو قول طوائف من الناس، وهذا كالاستدلال على نَفْي وجوبِ الوتر والأضحية ونحو ذلك، فهذا حُجَّة عند جماهير الفقهاء، حتى حكاه غيرُ واحدٍ إجماعًا من العلماء.
وذهبَ بعضُ الحنفية وبعضُ المتكلِّمين إلى أنه ليس بحجة [ق ٣١٦] وقالوا: هو تمسُّكٌ بالجهل، وقال بعضهم: هو حجة فيما بين العبد وبين الله، ولا يصح الاحتجاجُ به في المناظرات، والذي عليه الناسُ القولُ الأوَّل.
وهذه الأحكام المستصحبة من دليل العقل تُسَمَّى أحكامًا عقلية، وتُسَمَّى أحكامًا شرعية أيضًا؛ لأن الشرع قَرَّر ما عُلِم بالعقل فيها.
وقد يُسْتَدل على نفي الواجبات أو المحرمات بطريق آخر، بأن يُقال: الوجوب أو التحريم حُكْم شرعيٌّ ثبوتي، والأحكام الشرعية الثبوتية لا تثبت إلا بدليل شرعي، وليس على ذلك دليل شرعي؛ لأن الأدلة الشرعية منحصرة في الكتاب والسنة والإجماع والقياس وتوابع ذلك، وكلُّها منتفٍ في هذه المسألة.
وهذه أيضًا طريقةٌ صحيحة، لكن مدارُ الأمرِ في هاتين الطريقتين على إمكان نفي الناقل المُغَيِّر، أو الموجِب والمحرِّم، فإن قطَعَ بعدمِهِ، كما يقطع