للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو في نفس الأمر من صيرورة (١) الموجود معدومًا، والمعدوم موجودًا.

فإن قال: أريد بالجائز ما هو واقع في نفس الأمر.

قيل له: هذا صحيح، ويكون معنى الكلام: كلُّ ما هو واقع فهو واقع على كلِّ التقادير الواقعة، فافهم هذا فإنَّ فيه تغليطًا كثيرًا، وأنا أذكُرُ درجاتِهِ.

الواقعُ في نفس الأمر يجبُ أن يكون واقعًا على كلِّ تقدير لا ينافيه، ويجب أن يكون واقعًا على كلِّ تقدير واقع. فإذا قال المستدلُّ: هو واقع في نفس الأمر فيكونُ واقعًا على هذا التقدير، احتاج أن يُبيِّن أن ذلك التقدير غير منافٍ، أو هو واقع؛ لأنَّ بيان أن ذلك التقدير غيرُ منافٍ، أو أنَّ ذلك التقدير واقع أمرٌ ممكن سهل، بخلاف مستصحِب الحال، فإنه ليس عليه أن يبيِّن عدمَ الناقل المغيِّر؛ لأنَّ ذلك لا ينضبط ولا ينحصر.

الدرجة الثانية: هل هو واقع على كلِّ تقديرٍ جائز الوجود في علمنا، بمعنى: أنَّا نُجَوِّز أن يكون موجودًا، ويجوز أن يكون معدومًا، أو يجوز أن يكون جائز الوجوب والعدم، ويجوز أن يكون ممتنع الوجود أو العدم، وهذا ليس بلازم، إلا أن يعلم أن ذلك التقدير غير منافٍ، أو أنه واقع.

الدرجة الثالثة: هل هو واقع على كلِّ تقدير جائز في نفسه، بمعنى أنه يمكن وجوده بدلًا عن عدمه، وعدمه بدلًا عن وجوده، وهذا باطل، فإنَّ ما هو واقع في الواقع يمتنع وجوده على تقديرات جائزةٍ كثيرة معدومة.

الدرجة الرابعة: هل هو واقع على كل تقدير؟ وهذا لا يقوله عاقل.

وأظنُّ هؤلاء الجدليين إنما يعنون الدرجة الثانية، فإن الثالثةَ والرابعةَ


(١) الأصل: "ضرورة" والصواب ما أثبت.