طالب رضي الله عنه أنه كان يقرأ:«حطب جهنم» ، وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ:«حضب جهنم» بالضاد، وقراءة العامة حَصَبُ بالصاد، يعني: رمياً في جهنم. وكل ما يرمى في جهنم فهو حصب، ويقال: الحصب هو الحطب بلسان الزنجية. ومن قرأ: حطب، أي كل ما يوقد به جهنم، ومن قرأ حضب بالضاد معناه: ما يهيج به النار. أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ، أي داخلون.
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح:«أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتى قريشاً وهم في المسجد مجتمعون، وثلاثمائة وستون صنماً مصفوفة، وصنم كل قوم بحيالهم فقال: «إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني: من هذه الأصنام، «فِي النَّارِ» . ثم انصرف عنهم، فشق ذلك عليهم مشقة عظيمة شديدة. وأتاهم عبد الله بن الزبعرى، وكان شاعراً، فقال: ما لي أراكم بحال لم أركم عليها؟ فقالوا: إن محمداً يزعم أنا وما نعبد في النار. فقال: لو كنت هاهنا لخصمته.
فقالوا: هل لك أن نرسل إليه؟ فقال: نعم. فبعثوا إليه، فأتاهم، فقال له ابن الزبعرى: أرأيت ما قلت لقومك آنفاً، أخاص لهم أم عام؟ فقال:«بل عام، كل من عبد من دون الله فهو وما عبد في النار» . قال: أرأيت عيسى ابن مريم عليه السلام هذه النصارى تعبده، فعيسى والنصارى في النار؟ وهذا عزير تعبده اليهود، فعزير واليهود في النار؟ وهذا حي يقال لهم بنو مليح يعبدون الملائكة عليهم السلام، فالملائكة وهم في النار؟ فسكت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يجبهم، فضج أصحابه وضحكوا «١» فنزل: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا، ونزل في عيسى وعزير والملائكة إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ [الأنبياء: ١٠١] .
ويقال: إن هذه القصة لا تصح، لأن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان أفصح العرب، وأنطقهم لساناً، وأحضرهم جواباً كما وصف نفسه:«أنَا أفْصَحُ العَرَبِ» فلا يجوز أن يسكت على مثل هذا السؤال، ولم يكن السؤال لازماً، ويقال: كان سكوته للاستخفاف، لأنه سئل سؤالاً محالاً، لأنه قال: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ولم يقل ومن تعبدون. و «ما» لا يقع على النواطق، و «من» تقع على النواطق ويقال: هذا القول يقال لهم يوم القيامة، لأنه قال: قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ. يقال لهم عند ذلك: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ، فإن قيل: ما الحكمة في إدخال الأصنام في النار؟ قيل: زيادة عقوبة للكفار، لأن الأصنام أحجار، فيكون الحر فيها أشد. ويقال: الفائدة في إدخال المعبود النار زيادة ذل وصغار عليهم، حيث رأوا معبودهم في النار معهم من غير أن يكون للأصنام عقوبة، لأنه لا يجوز التعذيب بذنب غيرهم.
(١) عزاه السيوطي: ٥/ ٦٧٩ إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه والحاكم وصححه.