للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حين فَتَح الله عَلْيهم مِصْرَ، وَجَعَلَها قُوَّةً لَهُمْ وَلِجميع المُسلِمين أَن أحْفُرَ خَلِيجًا مِن نِيلِها حَتَّى يَسيلَ في الْبَحْرِ، فَهُو أسْهَلُ لِما نُريدُ مِنْ حَمْلِ الطَّعَامِ إلَى المَدِينَةِ وَمَكَّةَ، فَإنَّ حَمْلَهُ عَلَى الظَّهْرِ يَبْعُد وَلاَ يَبْلُغُ مِنْه، ما يزيدُ، فَانطلِقْ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ فَتَشَاوَرُوا في ذَلِكَ حَتَّى يَعْتَدِلَ فِيه رَأيُكُم، فَانْطَلَق عَمْروٌ فَأخْبَرَ بِذَلِك مَنَ كَان مَعَه مِنْ أَهْلِ مِصْرَ فَثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِم، وَقَالُوا: نَتَخَوَّفُ أَنْ يَدْخُلَ مِنَ هَذَا ضَرَرٌ عَلَى أَهْلِ مِصْرَ فَنَرَى أَنْ يُعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَى أَميرِ المُؤْمِنينَ، وَنَقُولُ لهُ إِنَّ هَذَا أَمْرٌ لا يَعْتَدِلُ وَلاَ يَكونُ، وَلاَ نَجدُ إلَيْه سَبِيلًا، فَرجَعَ عَمْرٌو إلَى عُمَرَ، فَضَحِكَ عُمَرُ حِينَ رَآهُ وقَالَ: والَّذى نَفْسِى بيَدِه لَكَأَنِّى أَنْظُرُ إلَيْكَ يَا عَمْرُو أو إلَى أصْحَابِكَ حِينَ أَخْبَرَتَهُم بَمَا أَمرْتُكَ به مِنْ حَفْرِ الخَلِيج فَثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهم وَقَالُوا: يَدْخُلُ في هَذَا ضَرَرٌ عَلَى أَهْلِ مِصْرَ فَنَرَى أَنْ تُعَظِّمَ ذَلِكَ عَلَى أميرِ المُؤْمِنِينَ وَتَقُولَ لَه: إنَّ هَذَا الأمرَ لا يَعْتَدلُ وَلاَ يَكونُ ولا نَجِدُ لَه سَبِيلًا، فعَجِبَ عَمْرو مِنَ قَولِ عُمَرَ وَقَال: صَدَقْتَ وَالله يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لَقَدْ كَانَ الأمْرُ عَلَى مَا ذَكَرْتَ، فَقَالَ لَه: انْطَلِقْ يَا عَمْرُو بِعَزِيمةٍ مِنِّي حَتَّى تَجِدَّ في ذَلِكَ وَلاَ يَأتِى عَلَيْكَ الحَوْلُ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْه إنْ شَاءَ الله، فَانصَرفَ عَمْرٌو وَجَمَع لِذَلِكَ مِنْ الفَعَلَةِ ما بَلَغَ مِنْه مَا أَرَاد، وَحَفَرَ الخَلِيجَ الَّذي في جَانِبِ الفُسْطَاطِ الَّذى يُقَالُ لَه (خَلِيجُ أَميرِ المُؤْمِنِينَ) فَسَاقَه مِنَ النِّيل إلَى القُلْزُمِ، فَلَمْ يَأتِ الحَوْلُ حَتَّى جَرَتْ فِيه السُّفُنُ تحمل فِيهِ مَا أَرَادَ مِنَ الطَّعَامِ إلَى المَدِينَةِ وَمكَّةَ، فَنَفَع الله بِذَلِك أَهْلَ الحَرَمَيْن، وسُمِّىَ (خَلِيجَ أَميرِ المُؤْمِنِينَ) ثُمَّ لَم يَزَلْ يُحْمَلُ فِيه الطَّعَامُ حَتَّى حُمِلَ فِيهِ بَعْدَ عُمَرَ بنِ عَبد العَزيزِ ثمَّ ضَيَّعَه الوُلاَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَتُركَ، وَغَلَبَ عَلَيْه الرَّمْلُ فَانقطع فَصَار مُنْتَهَاهُ إلَى ذَنَبِ التِّمْسَاحِ مِنْ نَاحِيةِ طَحَا القُلْزُم".

ابن عبد الحكم (١).


(١) الأثر أورده الكنز، ج ١٢ ص ٦١٤ كتاب (الفضائل) فضائل الفاروق - رضي الله عنه -: وقائعه عام الرمادة، برقم ٣٥٩٠٦ قال: عن الليث بن سعد أن الناس بالمدينة أصابهم جهد شديد في خلافة عمر بن الخطّاب في سنة الرمادة، فكتب إلى عمرو بن العاص وهو بمصر ... الأثر بلفظه، وعزوه. =

<<  <  ج: ص:  >  >>