فهذا موضع المنع الذي ينقطع فيه المغالطُ، بل يقدِر المستدلُّ أن يُثبِت أن الأدلةَ إنما تدلُّ على بعض التقديرات دون بعضٍ [من] وجوه لا تُعدُّ ولا تُحصَى، من نحو ما ذكرناه. وإذا كانت إنما تدلُّ على بعض التقادير فلِمَ قلتَ: إن تقديرَ وجود الملزوم من التقادير التي يدلُّ الدليل النافي للازم معها، ولا تقدر على ذلك إلّا بأن تُثبِت أن الأدلةَ تدلُّ مع جملة الأمور الواقعة في الواقع، وإذا استدلَّ على وقوع الملزوم كما هو مذهبه كان غصبًا لمنصب الاستدلال، وهو غير مقبول كما تقدم، بل هو أردأ منه، لأنه في مقام المعارضة، لا في مقام الممانعة، ولم يكن إتمام معارضته إلّا بإبطال مذهب المستدلّ، فكأنه قال: إن صحَّ مذهبك فَسَدتْ معارضتي، وإن فَسَدَ مذهبُك صَحَّتْ معارضتي، فأنا أُبطِلُ مذهبَك لتصحيح معارضتي.
فيقول له المستدلّ: لو أفسدتَ مذهبي لكنتَ غنيًّا عن المعارضة، وإذا كانت المعارضة لا تتمُّ إلّا بإبطالِ مذهبي، وإبطالُ مذهبي لا يتم إلّا بدليل، وذلك الدليل معارضة مستقلة بنفسها، كان ذِكْرُ المعارضةِ كلامًا ضائعًا، لأنّ ما لا يدلُّ على الحكم إلّا بمقدمةٍ تدلُّ على الحكم بنفسها لا يكون دليلًا على الحكم، فتكون قد عارضتَ بغير دليل ولا شبهة، وهذا من أقبح المعارضات.
ثم إنك جعلتَ الدليل على صحةِ المعارضةِ بطلانَ قولي، وجعلت المعارضة دليلًا على بطلانِ قولي، فجعلتَ كلَّ واحدٍ منهما دليلًا على الآخر، والعلم بالمدلول يتوقف على العلم بالدليل، فيكون العلم بكلٍّ منهما موقوفًا على العلم [ق ١٩] بالآخر، فلا يَحصُل العلمُ بواحدٍ منهما.
ثمَّ إنك جعلتَ مطلوبَك ــ وهو إبطال مذهبي ــ مقدمةً في الدلالة على