للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لإضافة الحكم إلى المشترك ولثبوته فيهما قطعيًّا فالقياس قطعي، وإن كان ظنّيًّا فالقياس ظنّي. لكن هذه أمور خارجة عن نفس العلة وصفاتها، فلا يجوز التعويل عليها في نفي علة المشترك.

السابع: أن قولك «الحكم مضاف إلى ما هو جائز العدم في إحدى الصورتين» [ق ٨٦] لفظ مشترك، فإن الجواز من عوارض الماهيات ومن عوارض الاعتقادات، فإذا قيل: العالم جائز أو ممكن، فذلك حكمٌ على ماهيته بقبولها للوجود والعدم. وإذا سُئل الرجل عن وجوب الزكاة في الحليّ فقال: يحتمل أن يكون واجبًا ويحتمل أن يكون غير واجب؛ أو سئل عن رؤية الله بالأبصار، فقال: ليس في العقل ما يوجبها ولا ما يُحيلها، بل يجوز أن تكون واجبةً ويجوز أن تكون ممتنعةً، لكن لمّا دلَّ السمعُ على وقوعها علمَ (١) العقل أنها جائزة.

وكذلك كل الأمور التي هي من مواقف العقل ومَحَاراته، فإن الجواز هنا معناه أن الإنسان ليس له علمٌ بما الأمرُ عليه في نفسه، فهو يُجوِّز النقيضين والضدَّين، فالجواز بالمعنى الأول عِلمٌ بحقيقة الأمر، والثاني عدمُ علمٍ بحقيقة الأمر، بل وَقْفٌ وشكٌّ. والأول صفة ثابتة للماهيَّة كانت نسبيةً أو ثبوتيةً أو عدميةً، والثاني (٢) تردُّدٌ ذهني وتجويزٌ عقليٌّ. والجواز الأول لا يجوز عليه التبدُّل والتغيُّر، بل هو هو في علم كل عالم، والتجويز الذهني لو انكشفت الحقائقُ لصاحبه لظهر أحدُ الأمرين. والفرق بين الجواز الوجودي العيني والجواز العلمي الذهني ظاهر.


(١) الأصل: «على».
(٢) في الأصل: «الثانية».