للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مستلزمٍ تركَ العمل به لمانع، فقد احتَرزْتُ عن محذورَيْن كلاهما خلاف الأصل، وأنت التزمتَ مخالفةَ الأصل؛ لأنك ادَّعيتَ أن المشترك مؤثِّر في عدم الوجوب، وقد ادَّعيتَ قيامَ المقتضي للوجوب، فقد تعارض في دليلكَ ما يقتضي الوجوب وما ينفيه، والتعارضُ على خلاف الأصل.

أو يقول: لا يخلو إما أن يكون المقتضي للوجوب فيهما قائمًا (١)، أو غير قائم، فإن لم يكن قائمًا بطل دليلُكَ وقولُكَ بتحقُّقِ الوجوب فيهما بالمقتضي، وإن كان قائمًا قال: فإما أن تعمل به وهو خلاف الإجماع في الأصل، وخلاف قولك في الفرع، وعلى التقديرَيْن بطل مذهبُك.

وإما أن لا تعمل به، فقد التزمتَ تَرْك المقتضي، وتركُ الأدلَّةِ على خلافِ الأصل، وليس في التعارض محذورٌ (٢) أشدّ من الترك.

فلئن قال: هذا التعارض موجود في الأصل، فكذلك في الفرع.

قيل: لا نُسَلِّم وجودَ المقتضي في الأصل كما ذكرناه، وعلى تقدير التسليم فلا يلزم من ترك العمل بالدليل في موضعٍ تَرْكُ العمل به في موضع آخر، إلا أن تُبَيِّن أنه مثله، وأنتَ لم تُبَيِّن أنه مثله بهذا الدليل. وهذا الدليل إنما يتمُّ إذا ثبت أنه مثله، فصرتَ محتجًّا على الشيء بما لا يتمُّ إلا ببيان الشيء، وهذه مصادرةٌ على المطلوب، وكثيرًا ما يَسْتَعْمِلها هذا الجدليُّ في أغالِيْطِه، بل كثيرٌ من الأغاليط إنما ترْوْجُ بها، فإنه يُغَيِّر العبارة، ويُكَثِّر الأقسام، ويُطِيْل المقدِّمات، ويجعلُ الشيءَ مقدمةً في إثبات [ق ١٦٣] نفسه


(١) الأصل: «قائم».
(٢) في الأصل: «محذورًا».