ولكن جواب هذا أن يقال: الأصل في الأحكام [ق ١٧٠] أنها معللة، والأصل فيها كون عِلَلِها معقولة، ولولا تسليم هذين الأصلين لم يصح ادَّعاء علة مستنبطةٍ بمناسبةٍ ولا دوران.
الثاني: أن يقال: قولك: «غيرُ المشترك ليس بعلة؛ لأنه غير ثابت»، ليس بصحيح، فإنَّا نعلم بالاضطرار [أن] هناك صفات موجودة في الحُلي غير المشترك بينه وبين الحِلْية، مِن كونه ذهبًا أو فضة، [و] من كونه من جنس النقدين، ومن كونه في الأصل مُعَدًّا للثَّمنيَّة. والأصلُ النافي إنِّما نحتجُّ به فيما لم يُعْلَم وجوده، أما ما عُلِم وجودُه بالضرورة فلا يجوز نفيُه بالأصل النافي.
فيقال: الأصلُ النافي ينفي كون المشترك علة، كما ينفي كون غير المشترك علة؛ إذ لا فرق في اقتضائه النفي بين المشترك والمميز، فإما أن يَعْمل به فيهما، أو يتركه فيهما، أما استعمالُه في أحدهما دون الآخر فيحتاج إلى مفرق بين الموضعين، وحينئذٍ يحتاج إلى البحث الفقهي عن الجوامع والفوارق بين الحُلي والحِلْية، أو يقال: من رأس (١) الأصل النافي؛ إذ لا فرق بين الموضِعَين.
الوجه الثالث: أن يقال: لا نُسَلِّم أن الأصل عدم كون غير المشترك علة لذلك؛ لأن العلة في الحقيقة هي علم الله سبحانه بما اشتمل عليه الحكم من المصالح، فيجوز أن يكون الله سبحانه قد علم أن المشترك هو المشتمل على تمام المصلحة، ويجوز أن يكون قد علم أن المشترك والمميز تمام المصلحة.