للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الواردُ في الكتاب والسنة وكلام العلماء، بل وكلِّ كلامٍ فصيح، بل وجميع كلام الأمم، فإن التعرُّضَ عند كلِّ مسألةٍ لقيودها وشروطها تَعَجْرُف وتكلُّف، وخروج عن سَنَن البيان وإضاعةٌ للمقصود، وهو يُعَكِّر على مقصود البيان بالعكس.

فإنه إذا قيل: تجب الزكاة في الحُليِّ، فقال: إن كان لامرأة مسلمة، ليس عليها دين حالٌّ لآدمي يُنقِصُ زكاةَ المال عن أن يكون نصابًا، وحالَ عليه حولٌ، لم يخرج عن ملكها، ويدُها ثابتةٌ عليه، وجَبَتْ فيه الزكاة= كان (١) ذلك لُكْنَةً وعِيًّا.

وقد لا يستحضر المتكلِّمُ جميعَ الشروط والموانع، فإنَّ هذا في كثير من المواضع لا يكاد ينضبط، بل من فصيح الكلام: أن من تكلَّم في شيءٍ؛ كجهة من الجهات لم يلتفت إلى غير تلك الجهة، وإ ذا كان كذلك، فقد عُلِمَ أنَّ قصدي إنما هو الكلامُ في إيجاب الزكاة في الحُليِّ المعدِّ لاستعمالِ المباح في الجملة، من غير تعرُّضٍ لشروط (٢) الوجوب وموانعه، فلا يجوز أن يُنْقَض كلامي عليَّ بِصُورة عُدِمَ فيها شرطُ الوجوب، أو وُجِدَ فيها مانِعُه، فإنَّ كلامَ صاحب الشريعة خارجٌ على هذا الوجه، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «في كلِّ أربعين شاةً شاةٌ، وفي خمس وعشرين [من الإبل] بنتُ مَخاض، وفي ثلاثين من البقر تَبيْع، وفي الرِّقَة رُبْعُ العشر» (٣)،

ولم يقل: إذا كانت ملكًا لمسلم لا دَيْن


(١) الاصل: «عند»، والصواب ما أثبت.
(٢) الأصل: «بشروط».
(٣) ساق المصنف هذه الألفاظ مَسَاقَ حديثٍ واحد، ولم أعثر عليها كذلك.
أما زكاة الإبل والغنم والرِّقَة فقد جاءت في سياق واحدٍ عند البخاري رقم (١٤٥٤) في كتاب أبي بكر الصديق لأنس ــ رضي الله عنهما ــ لما وجَّهه عاملًا على البحرين ولفظه: « ... فإذا بلغت ــ أي الإبل ــ خمسًا وعشرين إلى خمسٍ وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى ... ، وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة ... ، وفي الرِّقَة ربعُ العُشْر ... ». وأما قوله: «وفي ثلاثين من البقرة تبيع» فجاء في حديث معاذ أخرجه أبو داود رقم (١٥٧٠)، والترمذي رقم (٦٢٣)، والنسائي (٥/ ٢٥) وابن ماجه رقم (١٨٠٣) وغيرهم.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن»، وصححه ابن عبد البر، كما في «الأحكام الكبرى»: (٢/ ٥٨٢) لعبد الحق.

وجاء من حديث ابن مسعود أخرجه الترمذي رقم (٦٢٢)، وابن ماجه رقم (١٨٠٤) وغيرهما من طريق أبي عبيدة عن أبيه، وهو لم يسمع منه، وبه ضعَّفه البخاري والترمذي. انظر «العلل الكبير»: (١/ ١٠١).