واعلم أن هذا الذي قالوه جيِّد إذا كان الاستدلال على أحد الأمرين بأدلة عامة، من جنس الأدلة التي يثبتون [بها] التلازم والدوران والقياس والنقض ونحو ذلك. أما إذا ادَّعى أحد أمرين، وأقامَ دليلًا صحيحًا على ثبوتِ أحدِهما لا محالة، وكان قد عُلِمَ انتفاءُ أحدهما، فهو دليلٌ على ثبوتِ الآخر، وهذا يكون كثيرًا في مواضع يكون الدليلُ الواحدُ غير دالٍّ على عين المدَّعَى، مثل أن يقول: المقتضي لتحريم الخمر إمَّا السُّكْر أو الرائحة؛ لأن التحريم دار معهما وجودًا وعدمًا، والرائحة غير مقتضية بالإجماع، فتعيَّن أن يكون السُّكْر مقتضيًا.
أو يقول: صيغة «افعل» إمَّا أن يكون مقتضاها في الأصل الطلب، أو ما يستلزمُ عدم الطلب؛ لأنَّ الحال لا يخلو عن أحدهما، والثاني منتفٍ، فيتعيَّن الأول، وهذا كثير في كلامهم.
واعلم أن هذه الأدلة العامة لا تدلُّ على شيءٍ، لا في التنافي، ولا في غيره، لكن في غيره قد لا يمكن الخصمَ المقابلة بمثل ذلك الدليل، وفيه قد أمكنه ذلك، فلذلك يقولون:«قد لا يَتمّ»، فالمقصود بتمام الدليل وعدمه عندهم: إمكان الاستدلال عليه بجنس أدلتهم من غير مُعَارضة بمثل ذلك الدليل.
الثاني: أنه وإن لم يظهر بطلانُه في نفسِه، فإنه يمكن معارضتُه بمثله بأن يُقال: ما ذكرتَ من الدليل وإن دلَّ على عدم الاجتماع فعندنا ما ينفي هذا العدم، وهو ما يثبت الاجتماعَ، وذلك لأن عدمَ الوجوبِ في فصلِ المدينِ وعدَمَه في فصل الفقير الذي يملك دون النصاب لا يجتمعان بعين ما ذكرتم، وهو النص الدالُّ على الوجوب في صورة العدم، ونحوه مما يقال