للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل له: وأيُّ موجبية قامت فيه من جنس موجبيَّة المشترك، فإنها تقتضي ذلك، فما الموجب لتخصيص هذه الموجبيَّة؟

فإن قال: لأنَّ موجبيَّة المشترك تقتضي الوجوبَ في الصورتين، فيحصُل التنافي المدَّعى.

قيل له: حصول المقصود بالأدلة تابعٌ لصحَّة الأدلة في نفسها، فإن الدليل يُتْبَع ولا يَتْبع، فيجب أن تكون الدعوى على مطابقته، ولا يجوز أن يُجْعَل هو على مطابقة الدعوى؛ لأن الأدلة أعلامُ الله التي نصبها أسبابًا (١) موصلات إلى العلم بأحكامه، والدعاوى أقوال العباد واعتقاداتهم، والعبادُ مأمورون باتِّباع ما أنزل الله وشرَعَ ونَصَب، فلا يجوز أن يجعلوا ما شرع الله ونصبَ تبعًا لهم.

والمستدلُّ إنما خصَّ موجبيَّة المشترك بالاحتراز عنها دون غيرها بمعنًى فيها يقتضي ذلك= إنما خصَّها لأن دعواه تتمّ بها دون غيرها، وتمامُ دعواه بها ليس لخاصةٍ فيها، بل لنفس الدعوى، فكأنه اعتقد صحة الدعوى. ثم طلب ما يدلُّ عليها، وهذا غير جائز.

والذي يوضِّح ذلك: أن كون المشترك بين صورة المدين والفقير موجبًا للزكاة أمر لم يعتقدْهُ أحدٌ من الأمَّة، ولا يجوز أن يعتقده. وكون المشترك بين المَدِين وبين الغني الجلي (٢) موجبًا أقرب بالنافي للوجوب على المدين، لا يمكن أن يُعْمَل به حتى يُعتقد عدم موجبيَّة المشترك بين


(١) الأصل: «أسباب».
(٢) كذا في الأصل، ولعلها: «الملي» أو «الخلي».