للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الثالث (١): أن يُقال: النافي للوجوب إما أن يكون متحقِّقًا في نفس الأمر أو لا يكون، فإن لم يكن متحقِّقًا بطل الاستدلال، وإن كان متحقِّقًا، فإما أن يجب العمل به مطلقًا، أو عند عدم مطلقِ المعارض، أو عند عدم معارضٍ مخصوص، والأوَّل والثاني خلاف الإجماع، بل خلاف ما تقتضيه ضرورة العقل.

وأما الثالث فنقول: ذلك المعارض المقتضي للوجوب لابدَّ أن يكون راجحًا على (النافي)، ولا يُشترط فيه غير ذلك بالاتفاق.

فيقول: أنت لم تعلم سلامته إلا عن معارضة موجبية المشترك بين الصورتين، وهو لم يسلم عن معارضة موجبيَّة المختص بصورة النزاع، ولا عن معارضة موجبية المشترك بين صورة النزاع وسائر صور الوجوب، ولا عن معارضة المركَّب بينها وبين سائر صور عدم الوجوب، وهي معارضات كثيرة لا تكاد تنضبط. وقد عَلِمْنا أن بعضها يُقَدَّم على النافي بالإجماع، وبعضها يُقَدَّم النافي عليه [ق ١٣٩] بالإجماع، وبعضها مختلف فيه، ولابدَّ من فصلٍ بين ما تقدَّم على النافي، وما تقدم النافي عليه، فَلِمَ قلتَ: إن مجرَّد موجبيَّة المشترك [هي] التي تُقَدَّم على النافي وسائر المعارضات لا تقدَّم على النافي؟ لأنَّ التخصيصَ لا بدَّ له من مُخَصِّص، فليس في ذلك إلا سلامته (٢) عن موجب واحد أو نوعٍ واحد من أنواع الموجبات، فامتيازُ هذا عن غيره لا بُدَّ له من سبب، وليس معه أكثر من أنَّ موجبيَّة المشترك تقتضي الوجوبَ فيه.


(١) انظر الوجه الثاني (ص ٤٢٢).
(٢) الأصل: «سلامة».