للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هنا موجودة، وهؤلاء يوجبون على المُناظِر إذا استدلَّ به إبداء عدم الناقل حسب الطاقة، وإن كانوا لا يوجبون ذلك في الأدلَّة الشرعية؛ لأن الأدلَّة الشرعية تدلُّ بنصِّها على الحكم الشرعي، وإنما يُخافُ حصولُ معارض، والأصلُ عدمُه، أما هذا فإنَّما يدل على حكمٍ عقليٍّ كان قبل مجيء الشرعيِّ، وذلك لا يجوز اعتقادُ بقائه حتى يُعلم أنَّ الشرعَ أبقاه، أو أنه قرَّره، وذلك يحتاج إلى دليلٍ شرعيٍّ يدلُّ على التقرير، أو عدم التغيير، والمستدلُّ لم يتعرَّض لهذا.

وأما إن عَنَى بالنافي أدلةً سمعية تنفي الوجوب في صورة النزاع، فلا نسلِّم وجودها أَلْبتة، وعلى المستدل إبداؤه، وهو لم يتعرض له، وهو كالمتعذِّر عليه أن ... (١) يستدلّ بقياس أو بعموم يحتاج إلى نوع تأويل، أو يحتج بحديث عثمان ونحوه (٢) وحينئذٍ فلا ريب أن ذلك دليل في الجملة، لكن لا تُقبل دعوى وجوده حتى يبديه؛ إذ المعترض يعتقد أن ليس على نفي الوجوب دليلٌ سمعيٌّ، وإن اعتمد على طريقة نفي الضرر ونحوها، فسيأتي بيانُ فسادِها. فيثبتُ بهذا التحرير الواضح أنه لم يثبت نافيًا للوجوب فضلًا عن كون سالمًا.

وإن عَنَى القدر المشترك، أو مطلق النافي، قيل: هو في نفس الأمر إمَّا أن يكون عقليًّا أو سمعيًّا، ويُعادُ الكلام. وإن ادَّعى نافيًا خارجًا عن الأدلة العقلية والسمعية فعليه بيانُه، ولا سبيل إليه.


(١) كلمة مطموسة لعلها: «يصوره».
(٢) هكذا قرأت هاتين الكلمتين. ولعل المراد بحديث عثمان قوله - رضي الله عنه -: «إن هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دَين فليودّه ثم ليؤدِّ زكاة ما فضل». رواه مالك (١/ ٢٥٣) وعبد الرزاق (٧٠٨٦) واللفظ له.