فنقول: إن كان المشترك موجبًا لزم الوجوب فيهما معًا، وإن لم يكن موجبًا لزم العدمُ فيهما معًا، فقولهم بعد هذا: إن كان الوجوبُ ثابتًا هناك لزم عدم الوجوب هنا إثباتُ الوجوبِ في أحدهما والعدمِ في الآخر، وذلك خلاف مدلول الدليل المذكور، فإن كان دليلُ التنافي صحيحًا بطلت المقدِّمة الثانية، وإن كان باطلًا بطل الدليلُ كلُّه.
أو نقول: إن كانت المقدِّمةُ ثابتةً صحيحة ــ وهو لا ينازع اجتماع وجوبِ أحدهما وعدم الآخر ــ بطل التنافي؛ لأن التنافي امتناع الوجوبِ في صورة والعدم في أُخرى، وإذا بطل التنافي بطلت المقدمة؛ لأن صحتها مَبْنية عليه، وإن لم تكن صحيحة بطل الاستدلال بها.
وبالجملة؛ فإن (١) كونهما متلازمين وجودًا وعدمًا، وكون أحدها ملزومًا لعدمِ الآخر تناقضٌ ظاهر، ولا يجوز تأليف الدليل من مقدِّمتين متناقِضَتَيْن متضادَّتين.
الثالث: قوله: «الوجوبُ لا يشمل الصورتين».
قلنا: لا نُسَلِّم ذلك، وقولُه «بالاتفاق» دعوى غير صحيحة؛ لأن العلماء لم يجمعوا أن المسألتين مستويتان في الوجوب أو في انتفائه، ولا أنَّ حكمَ إحداهما مستلزمٌ لحكمِ الأخرى، وإنَّما تكلَّموا في كلِّ واحدٍ منهما على حِدَة، فالقولُ بالوجوبِ في صورةٍ وعدمِهِ في أُخرى= موافقة هؤلاء في مسألةٍ وموافقة هؤلاء في مسألةٍ أخرى، وهذا جائز بالاتفاق، فإنَّ المسلمين