للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجمعون على أنَّ من وافق بعض المجتهدين في الوجوب في مسألة لم يجب عليه أن يوافقه في الوجوب في كلِّ مسألة، وكذلك لو وافقه في عدم الوجوب. وهذا مما أجمع عليه المسلمون إجماعًا ضروريًا، فإنَّ أحدًا لم يخالف في أنَّ من وافقَ بعضَ العلماءِ في حكمِ حادثةٍ لا يجبُ أن يوافقه في حكم حادثةٍ أخرى ليست متعلِّقة بها.

وقولهم: «لا قائل بالفرق» إنما يصحُّ إذا كان مأخَذُ المسألتين واحدًا، مع أن الأكثرين [ق ٢٤٨] على جواز التفريق ما لم يصرحوا بالتسوية، وهذا نكتة الدليل، وهو أحد قولَي هؤلاء المموِّهِين، وهو من القواعد التي حكى غيرُ واحدٍ إجماعَ المسلمين على فسادها، وسيأتي إن شاء الله كلامٌ في ذلك أطول من هذا (١).

الرابع: قوله: «الوجوبُ لا يشمل الصورتين بالاتفاق (٢)» يعني به: أن شموله لهما ليس متفقًا عليه، أو يعني به: أن نفي شمولِهِ لهما متفق عليه، وذلك أن «الباء» يجوز أن تكون متعلِّقة بالفعل، ويجوز أن تكون متعلِّقة بنفي الفعل، فإذا علَّقها بالفعل كان التقديرُ: أن شموله لهما بالاتفاق ليس بواقع، وإن علَّقها بالنفي كان التقديرُ: أن انتفاء الشمول متفقٌ عليه. فإن عنيتَ هذا المعنى الثاني فهو غير مُسَلَّم ولا صحيح، فإنَّ أهلَ الإجماع لم يتكلَّموا في الشمول بنفي ولا إثبات، فلا يجوز إضافة نفيه أو إثباته إليهم. وإن عَنَيْتَ الأول فهو مُسَلَّم، لكن عدم الإجماع على الحكم ليس دليلًا على بطلانه، وأنا أُسَلِّم أنهم لم يُجمعوا على شمول الوجوب للصورتين، لكن الفرق بين


(١) تقدم الكلام فيها تفصيلًا (ص ٣٤١ - ٤٣٩ وسيأتي ص ٤٦٩).
(٢) الأصل: «والاتفاق» تحريف.