للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الضرر على تركه لم ينعقد بتركه سببُ الكفر أو العذاب، ألا ترى أن صلاة الضحى أو صيام أيام البيض لا يقال لمن تركه: احْذر أن ترتدَّ عن دينك، أو يعذِّبك الله عذابًا أليمًا.

وهذه الآية تُصَدِّق التي قبلها، فإن إبليسَ خالفَ عن أمرَ ربِّه فأصابته الفتنة بأن صارَ كافرًا، وآدمُ عصى ربَّه فأُخْرِجَ عن الجنة.

الدليل الثالث: قوله (١): (ولأن التارك عاصٍ بقوله: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: ٩٣]، والعاصي يستحقُّ العقابَ لقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن: ٢٣]، وكذلك تارك الأمر).

وهذا أيضًا دليل جيِّد؛ لأن من تَرَك امتثال الأمر فقد عصاه بقوله: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي}، وبقوله: {وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف: ٦٩]، قوله: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم: ٦]، ومَن عصى أمْرَ الله ورسوله فقد عصى الله ورسوله، وإلا أمكن كلَّ أحدٍ أن يقول: إنما عصيتُ أمرَ الله، ولم أعص الله، فلا يكون أحد قد عصى الله {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن: ٢٣].

واعلم أنَّ هذه الأدلَّة عليها أسْوِلَة ليس هذا موضع استقصائها.

وقول المصنِّف: «وكذلك تارك الأمر» عليه مناقشة؛ لأنه قد قال: تاركُ الأمر عاصٍ، والعاصي يستحقُّ العقابَ، وهذا يُنْتج أنَّ تارك [ق ٢٧١] الأمر يستحق العقابَ، فإدخالُ «كاف التشبيه» هنا لا معنى له؛ لأنه يقتضي أن تارك


(١) «الفصول»: (ق/١٠ أ).