للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قسمان: نهي تحريم، ونهي تنزيه، وأنَّ كلا القسمين المنهي عنهما لابدَّ أن يكون مفسدته (١) راجحة على مصلحته، فلو كان اشتماله على المفسدة الراجحة موجبًا للتحريم لامتنع نهي التنزيه، وذلك لأن المفاسد تختلف، فمنها ما فيه ضرر عظيم في أمر الدين، أو ضرر عظيم في أمر الدنيا، ومنها ما فيه مضرَّة يسيرة خفيفة (٢) إما في الدين أو في الدنيا، والتحريم يقتضي استحقاق الفاعل الذمَّ والعقابَ، فإن كان ضرر الفعل الحاصل عنه ضررًا يقتضي ذم الفاعل وعقابه، بحيث يكون ضرر الفعل أكثر من الضرر الحاصل من ذمِّ الفاعل وعقابه= حَسُن النهيُ عنه على سبيل التحريم؛ دفعًا لأعظم الضررين بالتزام أصغرهما.

وإن كان ضرر الفعل شيئًا يسيرًا، بحيث يكون الذم والعقاب على فعله أعظم من ضرر فعله لو خلا عن الذم والعقاب= حَسُنَ أن يُنْهى عنه؛ بيانًا لما فيه من الفساد، ولم يحسن أن يحرَّم؛ لأن معنى تحريمه الإخبار بأنه سبب لذمِّ فاعله ولعقوبته، ومعلومٌ أن ذمَّ فاعله وعقوبته ربما كانت أضعاف ضرر فعله، فكيف يوقع أعظمَ الضررين لدفع أخَفِّهما (٣).

نعم يكون فعل ما نُهي عنه على وجه التنزيه سبب الانتقاص؛ إما بانحطاط درجته، أو بِقِلَّة أجره وثوابه، أو ببقاء الآثام (٤) التي عليه، كما قد يكون تَرْك كثيرٍ من المسنونات من هذا القبيل. فَعُلِم بذلك أنَّ النهي يدلُّ


(١) الأصل: «مفسدة».
(٢) الأصل: «حقيقة».
(٣) الأصل: «أحقهما».
(٤) رسمها في الأصل: «الأيام» ولعلها ما أثبت.