للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على اشتمال الفعل المنهيِّ عنه على مفسدة راجحة، لكنَّ مجرَّدَ اشتماله على المفسدة لا يكون موجبًا لحرمته، إلا أن تكون مفسدةُ فعلِه أعظم من المفسدة الحاصلة بفاعله من الذمِّ والعقاب بتقدير التحريم.

وبهذا يحصل الجواب عن قولهم: «الشارع حكيم فلا يجوز أن يبيح ما فيه مفسدة؛ لأن المفاسد يجب السعي في إعدامها وإذا لم يتَّجه فقد جَزَمْنا بعلم (١) أن اشتماله على المفسدة موجبٌ للتحريم».

فيقال: ما فيه مفسدة لا بُدَّ أن ينهى الشرع عنه، ويُعرِّف بما فيه، وحينئذٍ فلا يكون مباحًا متساوي الطرفين؛ لا أنه (٢) لا بد أن يحرِّمه على العباد حتى يجعل [ق ٢٧٧] فاعله مذمومًا معاقبًا، أو يجعل فعله سببًا لعقوبة فاعله، فكيف يجب ذلك، وهو لو فَعَلَه لم يكن فيه ضرر أعظم من ضرر العقوبة؟! فكيف يُشرع حكمٌ فيه من المضَرَّة ما ليس في عدمِه؟ إذ لو لم يحرِّمْه لكان ضرر فعله دون عقوبته.

فإن قيل: كثير مما نهى الله عنه وحرَّمَه لو لم يحرِّمْه لكان إما أن يخلو عن المضرة، أو فيه مضرة دون مضرة العقوبة على الفعل، كما قد قرَّرتموه قبل هذا، ومع هذا فقد حرَّمَه.

قلنا: هذا غلط، بل يجب أن يُعْتَقد أن جميع تحريمٍ حرَّمَه الله لو لم يكن لكان الفساد الحاصل من عدمه أكثر من الفساد الحاصل بعقوبة العاصين بتقدير الوجود، وأن تقدير وجوده أقل مفسدة وأكثر مصلحة من تقدير عدمه، ولو لم يكن إلا أن في التحريم من تحصيل اعتقاد التحريم والعزم على


(١) الكلمتان مهملتان في الأصل، ولعلهما ما أثبت.
(٢) الأصل: «لأنه» تحريف.