للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«وللجار أن يضَعَ خشبةً في حائطِ جارِهِ»؛ لأنه إذا احتاج إلى ذلك ولم يُمكِّنْه تضرَّر بذلك.

وكذلك أَمَر بالطريق إذا اقتسموا الأرض أو أرادوا إحياءها أن يجعلوه سبعةَ أَذْرُع، فإنَّ ما زاد على ذلك ضَرَرٌ بالمُلَّاك، وما نقصَ عن ذلك ضرَّر بأبناء السبيل، ولهذا عامَّةُ الفقهاء والمحدِّثين إنما يذكرون هذا الحديث في أبواب الصلح وأحكام الجِوَار، وكذلك احتجَّ به طوائفُ من الفقهاء مثل الإمام أحمد (١) وغيره على أنه ليس لأحد الجارين أن يفعل في ملكه ما يضرُّ بجاره، مثل إحداث رَحًى أو كنيف ونحو ذلك، وأنه ليس للجار أن يمنع جارَه مما هو محتاج إليه ولا مضرَّة عليه فيه، كوضْعِ الخشب على جداره القويِّ، وإجراء الخليج في أرضه، كما قضى به عمر بن الخطاب (٢)، وغير ذلك، كما هو مُبَيَّن في مواضعه من كتب الفقه، وإن كان في هذه المسائل خلاف معروف، وفي بعضها أيضًا خلافٌ في مذهب أحمد.

ومن تأمل الحديث علم قطعًا أن هذا هو مقصودُ الحديث أو أكثر مقصوده.

الوجه العاشر: سلَّمنا أن اللفظ عامٌّ، لكن قصره على سببه جائز إذا دلَّ دليل على ذلك، وهنا أدلة كثيرة تدل على أن عمومه فيه محاذير، وقصرُه على سببه لا محذورَ فيه، فيكون أولى.


(١) انظر «مسائل عبد الله بن الإمام أحمد» رقم (١٣٦٨).
(٢) أخرجه مالك في «الموطأ» رقم (٢١٧٣)، والشافعي في «مسنده» رقم (٤٤٤)، ومن طريقه البيهقي في «الكبرى»: (٦/ ١٥٧). وصححه الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»: (٥/ ١٣٣).