للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عيبًا أيضًا لم يخصه بالذكر، ومعلومٌ أن مَنْع الزكاة عيب، فيكون مانعها مانعًا [ق ٢٨٦] ما لا يضره، فلا يكون إيجابها إضرارًا.

الوجه الثالث عشر: سلمنا أن الإضرار تَفْوِيْت المطلوب؛ لكن متى؟ إذا حَصَلَ (١) له بفوات مطلوبٍ أشرفَ منه أم مطلقًا؟ الثاني ممنوع، والأول مُسَلَّم. وهذا ظاهر، فإن العقلاء عن آخرهم لا يعدُّون من أخرج درهمًا وأخذ أَلف دينار متضرِّرًا، ولا يعدُّون من فُوِّت عليه ثوب من ثيابه وأُعطي أحمالًا من البزِّ أنه قد أضرَّ به، فلا بدَّ أن يقال: فوات مطلوب لا ينجبر بخير منه، إذ لا يَنجبر بمثله أو بخير منه. ومعلوم أن سلامة الملك من الزوال ــ وإن كانت مطلوبةً ــ لكن يحصل بفواتها إذا أُدِّيت الزكاة من تحصين المال، وتزكية النفس، وغفران الذنب، ورحمة الله في الدنيا، وعظيم ثوابه في الآخرة، إلى غير ذلك من المطالب العظيمة والمقاصد الجسيمة ما ينغمر في جانبه فوات قليل المال، وحينئذٍ فلا يكون الإيجاب إضرارًا، بل نفعًا أيَّ نفع، وهذا معلوم بالضرورة.

الوجه الرابع عشر: أن تَرْك الإيجاب يفوِّت هذه المطالب أيضًا؛ لأنه بتقدير عدم الإيجاب لا يحصل له شيء من هذه المطالب، وحينئذٍ فيكون عدم الإيجاب إضرارًا، فيكون منتفيًا، وهذه معارضة، والترجيح معنا؛ لأن الإيجاب تفويت بعض المطالب، ونفي الإيجاب تفويت مطالب أشرف منها، وإذا دار الأمرُ بين تفويت مطلوبَيْن، كان تفويت أدناهما لتحصيل أعلاهما هو الواجب، وهذا ظاهر.

الوجه الخامس عشر: لا نُسَلِّم أن سلامة الملك عن الزوال مطلوب


(١) يعني الإضرار.