للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما يضرّهم وجودُه.

الوجه الثاني عشر: لو سلمنا أن الإضرار دار مع ما ذكرتم، فقد دار أيضًا مع فوات اللذة، أو مع وجود المنافي للكمال، ودار أيضًا مع حصول المؤلم الموجع، ودار أيضًا مع تألُّم القلب، وتفسيرُ الضررِ بهذا أصح؛ لأنه مطَّرِدٌ منعكس، فإن كلّ من فاتته لذة، أو حصل له ألم، أو فاته ما ينافي كمالَه يقال: قد تضرَّر، وإن لم يحصل شيءٌ من ذلك لا يقال: تضرر، ولو لم يكن أصحَّ لكن هو مدارٌ آخر، فلا يتعيَّن ما ذكرتم، وإذا كان كذلك فلا تَفُوت اللذة، أو يحصل الألم، وإن فُرِضَ رجلٌ شحيح حريص خروجُ الدرهمِ يُمِضُّه كانت طبيعتُه فاسدة فلا يُلْتَفت إلى تألُّمه ولا يستحق أن تنقلب الحقيقةُ به مدربة (١).

كما أن وجود الممرور العسلَ مرًّا، أو رؤية الأحول الواحدَ اثنين، ونحو ذلك= لا يغيِّرُ حقائقَ الموجودات؛ لأن القوة الدَّرَّاكة قد فسدت.

ويبيِّن صحةَ هذا: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [لمن] قُتِل يوم أحد فأثْنَت عليه أمُّه خيرًا، فقال: «وما يُدْرِيْكِ لعَلَّه كان يتكلَّمُ فيما لا يَعْنِيْه، ويَمْنَعُ ما لا يَضُرُّه» (٢)، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مَنْع [ما] لا يضره عيبًا، فلو كان منع ما (٣) يضره


(١) كذا بالأصل. ولعلها: «مَرزِئةً».
(٢) أخرجه أبو يعلى رقم (٤٠٠٤) ــ بلفظ المؤلِّف ــ والترمذي رقم (٢٣١٦)، وأبو نُعيم في «الحلية»: (٥/ ٥٦)، والبيهقي في «الشعب» رقم (١٠٣٤١ و ١٠٣٤٢)، والضياء في «المختارة»: (٦/ ٢٢٠). كلهم من حديث الأعمش عن أنس، واخْتُلِف على الأعمش فيه.
قال الترمذي: «هذا حديث غريب».
وقال ابن عبد البر في «التمهيد»: (١٠/ ٢٢٨): «وهذا الحديث ليس بالقوي؛ لأن الأعمش لا يصح له سماع من أنسٍ، وكان مدلِّسًا عن الضعفاء» اهـ.
(٣) الأصل: «ما لا» والصواب حذف «لا».